خالد أبو شقرا

المسؤولية في مصرف لبنان لا تقع على سلامة فقط

المجلس المركزي ومفوض الحكومة... في جيب الحاكم

7 تشرين الثاني 2022

02 : 00

يحرص حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في كل إطلالاته المقتضبة منها والمطولة اعلامياً على نسب كل القرارات التي يتخذها إلى المجلس المركزي. وهذا الأمر يتناسب، في الشكل، مع مقتضيات تطبيق قانون النقد والتسليف، فيما يهدف، في المضمون، إلى صبغ القرارات بألوان الأحزاب الأساسية النافذة في البلد والتي تعين نواب الحاكم، وبالتالي إضفاء صفة التوافق الوطني العريض على تلك القرارات!!

من يرى تركيبة المجلس المركزي لمصرف لبنان، لا يتوقع إمكانية وجود أخطاء مقصودة في السياسة النقدية بأي شكل من الاشكال. فقد أولى المشرع هذا «المجلس» في المادة 33 من قانون النقد والتسليف مجموعة من الصلاحيات أهمها: المذاكرة في طلبات القروض المقدمة من القطاع العام. وهذا بيت الداء الذي جر على الاقتصاد كل الويلات. ومن الصلاحيات المهمة المعطاة أيضا للمجلس:

- تحديد سياسة المصرف النقدية والتسليفية.

- وضع أنظمة تطبيق القانون وتحديد معدلات الحسم والفوائد.

- المذاكرة في تنظيم غرف المقاصة والامور المتعلقة بالاصدار.

- إقرار موازنة نفقات المصرف وإدخال التعديلات اللازمة عليها.

ممن يتألف؟

يتألف المجلس المركزي بحسب المادة 28 من قانون النقد والتسليف من:

- الحاكم، رئيساً.

- نواب الحاكم الاربعة.

- مدير عام وزارة المالية.

- مدير عام وزارة الاقتصاد.

و»ليس للعضوين الاخيرين ان يتصرفا في المجلس كمندوبين عن الحكومة. وهما لا يمارسان لدى المصرف سوى المهام الملتصقة بصفتهما عضوين في المجلس المركزي».



نزار صاغية


تناقض المصالح

من الناحية التقنية يمكن للمجلس بحسب المادة 32 من قانون النقد والتسليف أن يعلق تنفيذ قرار ما ثلاثة أيام على الاكثر بناء على طلب أحد أعضائه. وذلك إذا ما اعتبر هذا الطلب معللاً تعليلاً كافياً. وتجرى في المهلة المحددة مذاكرة جديدة حول المسائل المعلقة. ويمكن وضع القرار المتخذ في الاجتماع الجديد موضع التنفيذ.

أما المادة 18، فنصت على أن «النواب يعينون لمدة خمس سنوات بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية واستشارة الحاكم. وهم يمارسون الوظائف التي يعينها لهم الحاكم». وهنا تبدأ عملية قص الصلاحيات وتناقض المصالح. فهم إذن يمارسون الوظائف التي يعينها لهم الحاكم علناً، كأن يعين واحداً منهم مسؤولاً عن المعلوماتية على سبيل المثال، ويحرم من إبداء الرأي في بقية الامور الاساسية. أما سراً، وهو الاخطر، فهم يعينون من مجلس الوزراء بناء على توصية المرجعيات السياسية الاولى، أو الاقوى، الخاصة بطوائف النواب الاربعة. و»قد حدث في العام 2020 نقاش مستفيض حول تعيين النواب، حيث أعيد طرح السؤال إن كان التعيين سيتم هذه المرة أيضاً على أساس طائفي يُلزم بتخصيصٍ للمناصب وتطييفٍ للمراكز، بما يتعارض مع المادة 95 من الدستور»، يقول مؤسس «المفكرة القانونية» المحامي والباحث نزار صاغية. «إنتهت التعيينات، مع الاسف، على محاصصة طائفية سياسية».

التقسيم الطائفي الضيق

خلافا للمادة 95 من الدستور التي تنص في الفقرة (ب) على تقسيم وظائف الفئة الأولى أو ما يعادلها مناصفة بین المسیحیین والمسلمین، دون تخصیص أیة وظیفة لأیة طائفة، مع التقید بمبدأي الاختصاص والكفاءة. استمر العرف بتخصيص نواب الحاكم على طوائف محددة. فالنائب الاول من الطائفة الشيعية، والثاني درزي، والثالث سني، أما الرابع فمسيحي أرمني. فيما أصبح العرف أن يكون الحاكم مسيحياً مارونياً، مع العلم أن الحاكم الاول لمصرف لبنان كان فيليب تقلا الذي ينتسب إلى الطائفة الكاثوليكية. وعليه أصبح نواب الحاكم وتحديداً بعد الطائف، أي مع بداية ولاية رياض سلامة المستمرة منذ 20 عاماً لغاية اليوم، يدورون في فلك منظومة المصالح السياسية والطائفية للمتحكمين بمصير البلد. «فكيف لهم أن يلعبوا دور الرقيب على نظام هم في الاساس منه»، يسأل صاغية. و»هذا هو لب المشكلة في المجلس المركزي. وهي المشكلة نفسها التي تنسحب على بقية الادارات والمرافق الاساسية في البلد. إذ يستحيل ضمان وحفظ استقلالية الادارات عن السلطة السياسية. وكما تغاضى المجلس المركزي عن الهندسات المالية قبل الازمة، لم نر دوراً رادعاً عن القرارات الخاطئة بعد الانهيار».

مفوض الحكومة

إذا كان نواب الحاكم مقيدين بتكليفاته، وينصاعون لرغباته ورغبات السياسيين ممن أوصوا بتعيينهم، فان المجلس المركزي مؤلف أيضا من عضو بالغ الاهمية، هو مفوض الحكومة. وقد أناط به المشرّع في قانون النقد والتسليف مهمة المراقبة الاساسية على المصرف في المواد التي تقع بين 41 و46. وبحسب القانون تنشأ في وزارة المالية «مفوضية الحكومة لدى المصرف المركزي». يدير هذه المصلحة موظف برتبة مدير عام يحمل لقب مفوض الحكومة لدى المصرف المركزي. و يكلف المفوض :

- السهر على تطبيق هذا القانون.

- مراقبة محاسبة المصرف. ويساعده في هذا الجزء من مهمته موظف من مصلحته ينتمي الى الفئة الثالثة على الاقل من ملاك وزارة المالية.

تشمل مفوضية الحكومة لدى المصرف المركزي، من جهة اخرى، دائرة ابحاث للشؤون المتعلقة بالنقد والتسليف، تُبلغ فوراً الى المفوض قرارات المجلس. وله خلال اليومين التاليين للتبليغ ان يطلب من الحاكم تعليق كل قرار يراه مخالفاً للقانون وللانظمة، ويراجع وزير المالية بهذا الصدد. واذا لم يبت في الامر خلال خمسة أيام من تاريخ التعليق يمكن وضع القرار موضع التنفيذ. كما للمفوض حق الاطلاع على جميع سجلات المصرف المركزي، ومستنداته الحسابية، باستثناء حسابات وملفات الغير الذين تحميهم سرية المصارف المنشأة بقانون 3 ايلول سنة 1956. ويدقق في صناديق المصرف المركزي وموجوداته. وعلى المفوض أن يُطلع وزير المالية والمجلس دورياً على اعمال المراقبة التي اجراها ، كما يطلع وزير المالية بعد قفل كل سنة مالية على المهمة التي قام بها خلال السنة المنصرمة، بموجب تقرير يرسل نسخة عنه الى الحاكم.

هذه الصلاحيات الواسعة والبالغة الاهمية جرى ضربها في المادة 46 من قانون النقد والتسليف. فهذه المادة تركت «وديعة» تسمح للحاكم بنقض كل ما سبق. حيث نصت على أن «التعويض الخاص الذي سيمنح لمفوض الحكومة يكون وحده على عاتق المصرف ولا يخضع هذا التعويض للمادة 27 من المرسوم الاشتراعي رقم 112 تاريخ 12 حزيران سنة 1959. ما يعني أنه كلما كان الحاكم «كريماً» مع المفوض في السفرات والمخصصات وهدايا القروض والتسهيلات البنكية، كلما ارتفع احتمال تغاضيه عن التجاوزات (اذا كان فاسداً). أما من الناحية السياسية فإن تبعية المفوض لوزير المالية الذي ينتمي إلى جهة سياسية مشكّلة للمنظومة، يجعل مراقبته مشكوكاً بها أحياناَ.

في العام 2020 عينت كريستال واكيم مفوضة مراقبة، (استقالت في العام 2022). وعدا عن كون تعيينها أتى بتوصية سياسية، فهي أساساً كانت موظفة في مصرف تجاري خاص استفاد من هندسات الحاكم المالية قبل الازمة. وهذا ما يمثل قمة تناقض المصالح. وعليه فان «الموظفين في المجلس المركزي سواء أنيطت بهم أدوار رقابية أو تقريرية يرتبطون بشبكة مصالح سياسية معقدة وعطاءات وظيفية متداخلة بين تحديد الرواتب والمخصصات، تبقي الحاكم آمراً ناهياً بكل القرارات»، يقول صاغية. و»هذا ينسحب أيضاً على لجنة الرقابة على المصارف وهيئة التحقيق الخاصة. حيث يعتبر الحاكم، على سبيل الذكر لا الحصر، في الهيئة الاخيرة رئيساً للمدعي العام المالي. الامر الذي أعاق مثلاً الادعاء عليه».

المساومات عند بروز الخلافات

تقاسم الادوار هذا والتداخل في المصالح السياسية والوظيفية، قد لا يعني بالضرورة بصم كل النواب على قرارات الحاكم بشكل أعمى. وقد يكون هناك نواب أو أعضاء في المجلس المركزي يخالفون الحاكم الآراء والتوجهات ويعارضون سياساته بشكل واضح. إلا أن إمكانية وضع ضوابط والتصدي للقرارات تعود لتتم عن طريق المساومات، مثلها مثل أي أمور كثيرة في لبنان. فلا يمكن بحسب صاغية فصل ما أغدقه الحاكم على محظيين يتبعون لجهات سياسية ومناطقية مختلفة في ملف الدعم عن الضغط لفتح باب المساومات على القرارات التي يتخذها. وبالتالي يمكن الاستنتاج أنه متى ما أصبح الاعضاء محسوبين سياسياً على أفرقاء مستفيدين، لا يعود من الممكن الارتجاء منهم القيام بدورهم كما تنص القوانين».




ماري كلود نجم حاولت...

صحيح أن التقسيم الطائفي للوظائف كان موجوداً قبل العام 1975، إلا أنه لم يكن بالشكل الذي أصبح عليه بعد انتهاء الحرب. حيث ضربت بشكل كبير استقلالية الموظفين عن السياسيين المخترقين كل المؤسسات. وأصبحت القرارات تؤخذ مع مراعاة مصالح هؤلاء السياسيين. ورغم وجود المادة 95 من الدستور التي تنص على عدم جواز تخصيص أي مركز لطائفة معينة، فان التقسيم لم يتوقف منذ نهاية الحرب. وقد جوبهت مثل هذه الطروحات من وزيرة العدل ماري كلود نجم في حكومة الرئيس حسان دياب ولا سيما في ما يتعلق بتعيين نواب الحاكم، بالرفض وتعطلت الجلسة عدة مرات. وجرى الاصرار في النهاية على السير بمعايير المحاصصة الطائفية الضيقة المعتمدة منذ العام 1993.

مجالس عهد سلامة... على القياس

تناوب على المجلس المركزي منذ العام 1993، تاريخ تعيين الحاكم رياض سلامة 5 مجالس مركزية من الناحية النظرية. ذلك أن تغيير المجالس يرتبط بشكل أساسي ومباشر بتغيير نواب الحاكم الاربعة كل 5 سنوات، كما ينص قانون النقد والتسليف.

تألف المجلس الاول في العام 1993 من النواب: ناصر السعيدي، فهيم معضاد، محمد شطح، هاروت ساموئليان. انتهت ولاية المجلس في العام 1997، ولكن في آب من العام 1998 جدد مجلس الوزارء لمدة 5 سنوات للنواب ناصر السعيدي نائب أول، فهيم معضاد نائب ثاني، هاروت ساموئليان نائب رابع، وعيّن مروان محي الدين النصولي نائباً ثالثاً مكان محمد شطح، الذي استقال في العام 1997. استمر المجلس لغاية العام 2003، حيث شكل آخر جديد مكون من: أحمد جشي، مجيد جنبلاط، مروان نصولي وآلان باليان. انتهت ولاية المجلس الثالث في عهد سلامة في العام 2008 وعين مجلس الوزارء مجلساً جديداً في العام 2009 مكوناً من النواب: رائد شرف الدين نائباً أول، وسعد عنداري نائباً ثانياً، ومحمد بعاصيري نائباً ثالثاً، وهاروت ساموئليان نائباً رابعاً. استمر هذا المجلس من العام 2009 ولغاية العام 2019 أي حوالى 10 سنوات. ولم يعين مجلس جديد إلا في العام 2020، وتألف من النواب وسيم منصور، بشير يقظان، سليم شاهين والكسندر موردايان.


MISS 3