سامي نادر

ليس بالتكسير تُعاد الأموال

6 كانون الثاني 2020

02 : 00

غضَبُ الناس تجاه المصارف مشروع. وردّة فعلهم التي اتّخذت منحىً عنفياً مفهومة. فسياسات التقنين التي طالت الودائع وحتى الرواتب لا تُشكّل تعدّياً على الحقوق المادية للمودعين وضرباً للقواعد الأساسية التي قام عليها لبنان واقتصاده فقط، إنما تُزعزع أيضاً استقرارهم النفسي وشعورهم بالأمان، وهي أولى حاجات الإنسان.

ولكن أن ينحرف هذا الغضب عن هدف الثورة الأساسي وهو الإصلاح واسترجاع الحقوق، ويقود البعض إلى القيام بتكسير للمصارف وتهديد العاملين لديها، فهذا لن يفيد المودعين ولا الإقتصاد، لأنه لن يحرّر الأموال ولن يُفرج عن الودائع، إنما على العكس فقد يدفع بالمصارف إلى إغلاق أبوابها، ويكون ذلك على حساب المواطنين والإقتصاد.

أضف أن العاملين لدى المصارف اللبنانية والذين يزيد عددهم عن 25000 عامل، هم جزء لا يتجزّأ من قوى لبنان العاملة؛ مطالبهم مطالبها؛ معاناتهم معاناتها؛ وبالتالي هم في قلب الثورة التي انطلقت في 17 تشرين 2019. فلا يجوز أن يتحوّلوا إلى كبش محرقة ويدفعوا ثمن أخطاء قلّة قليلة لم تُحسن إدارة الأمانة التي أوكلت بها.

لا شك أن المصارف تتحمّل مسؤولية كبيرة في تمويل قطاع عام نخره الهدر والفساد. صحيح أنها ليست من قرّر الإنفاق العام كما أكدت في بيانها الأخير، وأن هذه المسؤولية تقع حصراً على أركان الحكومة ونظام المحاصصة. ولكن أليس دور المصرف التحقّق من كيفية صرف الأموال واحتساب المخاطر المحدقة بهذا "العميل" واستطراداً بقدرته على الإيفاء بدَينه؟ ألم يكن من المفترض في القطاع المصرفي والقيّمين عليه أن يحذو حذو الجهات المجتمعة في "سادر"، فيشترطوا الإصلاح قبل التمويل، وهم أبناء الدار اللبنانية وأدرى بشعابها.

المطلوب اليوم هو الإصلاح وليس الإنتقام ولا التكسير. لن نقطع أقدامنا لأن هناك من دفعنا في الطريق الخطأ. المطلوب تصحيح المسار لا الإستسلام إلى الفكر الغوغائي العدمي. المطلوب العمل جدياً على استرجاع الأموال المنهوبة، ووضْع الأطر والآليات القانونية لهذا الغرض. ولا يجوز أن يُصار إلى تدمير قطاع، يُشكّل ركناً أساسياً لأي اقتصاد. إن أي عملية إنقاذية تمرّ حتماً بإعادة بناء القطاع المصرفي وتوجيه طاقاته باتجاه تمويل الإنتاج.

المطلوب خطة إنقاذية تُحدّد معالم الخروج من الأزمة، وتوزِّع "كلفة الإنقاذ" بشكل عادل وترفع العبء عن صغار المودعين وأصحاب الدخول المنخفضة، خطة تُعيد رسملة القطاع وتطهيره من الأصول السيادية السامة من أجل تحرير الودائع وتحرير الإقتصاد.


MISS 3