جاد حداد

Fifa Uncovered... مخالفات فاضحة في عالم الفيفا

12 تشرين الثاني 2022

02 : 01

يتألف الوثائقي الجديد Fifa Uncovered (الكشف عن حقيقة الفيفا)، على شبكة "نتفلكس"، من أربعة أجزاء. تبدأ قصته مع رئيس اتحاد الفيفا السابق جواو هافيلانج، وتبلغ الأحداث ذروتها مع سلسلة اعتقالات يقوم بها مكتب التحقيقات الفدرالي بعد عقود بتُهَم الفساد والابتزاز.

دعم هافيلانج كأس العالم في العام 1978 بكل قواه، واستضافت الأرجنتين هذا الحدث حينها مع أن البلد كان قد وقع للتوّ ضحية دكتاتورية عسكرية وحشية. هكذا ظهر نوع جديد من الرجال الرسميين، فرصد فرصة مناسبة لتوسيع هذه الرياضة واستغلال قدرات تسويقها وبثها. بحلول بداية الثمانينات، أسس رئيس "أديداس"، هورست داسلر، الشركة الخاصة International Sport and Leisure، وحصلت هذه الأخيرة على جميع حقوق الفيفا الإدارية. لم يحصل اتحاد الفيفا ولا الدول الأعضاء فيه على حصص عادلة من الأموال المتزايدة التي أنتجتها هذه الصفقة، لكن حرص هافيلانج على تلقّي أكبر المكافآت الشخصية.

سرعان ما يغوص سيب بلاتر في هذا العالم، وهو البطل الرئيسي في الوثائقي. كان بلاتر يحظى بدعم هافيلانج، لكنه عاد وأسقطه من منصبه أخيراً في العام 1998 وبقي رئيس الاتحاد إلى أن انهار كل شيء في العام 2015. يستعمل صانعو العمل خليطاً نموذجياً من أرشيف الأخبار والمقابلات مع مراقبين ومصادر مطلّعة لتفسير تحوّل الفيفا، في عهد بلاتر، إلى كيان جاذب جداً للفاسدين، حتى لو لم تكن مؤسسات الاتحاد بحد ذاتها فاسدة. حتى أنّ سياسات الفيفا الداخلية تجعل الاتحاد أكثر عرضة لمن يسعون إلى تحقيق مصالحهم الشخصية: عند اختيار الرؤساء وأماكن استضافة كأس العالم، تملك الدول الأصغر حجماً حقوق التصويت بقدر معاقل كرة القدم الأساسية، حتى لو كانت تلك الدول تفتقر إلى ثقافة رياضية قوية محلياً للتحقق من توجهاتها. استفاد من هذا الوضع رجال من أمثال جاك وارنر، رئيس اتحاد أميركا الشمالية والوسطى والكاريبي لكرة القدم، ومساعده تشاك بليزر، مدير الرياضة الأميركية.

يطغى أسلوب المماطلة على الحلقة الأخيرة التي تعرض تفاصيل مفرطة وكان يمكن تقليصها من أربع إلى ثلاث ساعات، ومع ذلك يطرح الوثائقي عموماً مجموعة مشوّقة من الادعاءات والصُدَف الشائكة، فتظهر الأموال النقدية في أغلفة بنّية عند حصول تصويت مهم، ثم تختفي في المرحلة التي يُفترض أن تُموّل فيها مشاريع تنموية بارزة. حتى أن المخالفات الفاضحة التي يرتكبها بعض المتورطين في هذه العمليات تنشر أجواء النفور التي يسهل الإدمان عليها في الأعمال الوثائقية التي تتمحور حول جرائم حقيقية.





على صعيد آخر، يجذب الوثائقي المشاهدين بفضل مشاركة نجوم كبار، لكنه لا يستفيد منهم بالشكل المناسب. في الجزء المرتبط بإقدام دولة قطر النفطية القمعية، التي تم اختيارها لاستضافة كأس العالم للعام 2022، على تكثيف استثماراتها في عدد من البلدان الداعمة لطلبها، كان يُفترض أن يتعرّض ممثل البلد لانتقادات لاذعة ومباشرة، لكن يتعثر المحاور في اللحظة الحاسمة من المقابلة. يحاول بلاتر بأي ثمن أن يعيد تلميع صورته عبر اكتساب شكلٍ من السلطة، فلا يكفّ عن الظهور لتقديم حجج تافهة بدل مواجهة الأسئلة الأساسية. في النهاية، يقال له إنه مضطر لتحمّل جزءٍ من اللوم لأنه ترأس لجنة تنفيذية شائبة لدرجة ألا يبقى إلا شخص واحد في منصبه من أصل 22 عضواً بعد اختيار روسيا وقطر لاستضافة كأس العالم في العامَين 2018 و2022 على التوالي. هو يُعبّر عن ندمه، لكنه ينكر أي مسؤولية أخلاقية على عاتقه، ويقول إنه يعجز عن تحمّل مسؤولية ما يفعله أعضاء اللجنة من "بلدان أخرى وثقافات أخرى". لكن بما أن أسوأ الفضائح شملت مندوبين من أفريقيا والشرق الأوسط والكاريبي، فلا مفرّ من وضع هذا الموقف في خانة التضليل أو مظاهر الفوقية التي تبديها الشخصيات الفاسدة. يصعب أن نكتشف الحقيقة مع بلاتر.

يرتفع مستوى العمل حين يعرض تفاصيل عن الفيفا في عهد بلاتر بأسلوب حذق ويعتبر تلك المرحلة تجسيداً للمشاكل السائدة في أواخر القرن العشرين: يخطئ من يتوقع محاسبة الشخصيات القوية التي تطارد مصالحها التجارية لكنها تحظى بحماية الأنظمة القائمة. حين يقول الصحافي ديفيد كون من صحيفة "ذا غارديان" إن التعاون مع الأنظمة الدكتاتورية قد يكون أسوأ من تلقي الرشاوى، تظهر لقطات لجياني إنفانتينو الذي خَلَف بلاتر وتقرّب من فلاديمير بوتين والنخبة الحاكمة في قطر.

يغوص الوثائقي إذاً في عالمٍ قاتم بامتياز يختصره واحد من أبرز المخبرين في العمل، وهو مدير القسم الإعلامي السابق في الفيفا، غويدو توغنوني، فيقول: "إذا كنتم تسألون عن قدرة الفيفا على الإفلات من الفساد يوماً، فيجب أن تسألوا أولاً عن قدرة العالم على الإفلات من قبضة الفساد. لا، لا يستطيع الاتحاد الإفلات منه ببنيته الراهنة. هذا غير ممكن".


MISS 3