خالد أبو شقرا

لا ثقة بالتعليم الرسمي

ثلثا التلامذه في المدارس الخاصة... رغم الفقر!

14 تشرين الثاني 2022

02 : 00

تعليم الأبناء أولوية
محيرٌ هو الواقع اللبناني ومتناقض أحياناً. ففي ظل التدني الهائل في المستوى المعيشي، ومعاناة 80% من السكان من الفقر متعدّد الأبعاد، بلغت نسبة التلامذه في المدارس الخاصة للعام الدارسي 2022 – 2023 حوالى 67% من الاجمالي. وخلافاً لكل التوقعات، لم يشهد التعليم الرسمي المجاني موجات نزوح كثيفة، بل على العكس، فإن المدارس الخاصة استعادت خلال هذا العام الدراسي أعداداً كبيرة من الطلاب، كانت قد فقدتهم خلال العام الدارسي الماضي.



يشير تقرير الإسكوا إلى أن نسبة الفقر متعدد الأبعاد في لبنان ارتفعت من 42% في عام 2019 إلى 82% من مجموع السكان في العام 2021. ومن أصل مليون و210 آلاف أسرة في لبنان، هناك 400 ألف أسرة تعاني من الفقر المدقع، و600 ألف تعاني من الفقر متعدد الابعاد. والمعدل الأخير محسوب على أساس ستة أبعاد هي: التعليم، الصحة، الخدمات العامة، المسكن، الاصول والممتلكات، العمل والدخل. وتصنف الاسرة بأنها تعيش في فقر متعدد الابعاد إذا كانت محرومة من بعد واحد أو أكثر. أما إذا كانت محرومة من بعدين أو أكثر فتصنف في خانة الفقر المدقع. وبحسب دراسة الإسكوا، فإن التعليم يساهم بـ14% في القيمة الاجمالية لدليل الفقر المتعدد الابعاد للعام 2021. ويبلغ الفقر المتعدد الأبعاد، بحسب الإسكوا، 63% في صفوف الطلاب الجامعيين و87% بين الطلاب ذوي أدنى مستويات التحصيل العلمي.



الإستثمار في التعليم

أمام هذه المعطيات، يظهر جلياً بحسب الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين أن «الكثير من الأسر اللبنانية تحرم نفسها من العديد من الأمور الحياتية، حتى المهمة منها، مثل المأكل والمشرب والكهرباء... وغيرها، لكي توفر تعليماً لائقاً لأبنائها، بمعنى أنها «تستثمر في التعليم». وهذا ما يفسر برأيه، إلى جانب مجموعة من العوامل الاخرى، وجود 67% من التلاميذ في مختلف مراحل التعليم ما قبل الجامعي في المدارس الخاصة، مقابل 33% فقط في التعليم الرسمي.



دولرة الأقساط ليست عائقاً


من اللافت استعادة التعليم الخاص هذا العام ما كان قد فقده في العام الماضي، وذلك على الرغم من دولرة جميع المدارس الخاصة نسبة من أقساطها. حيث ارتفعت الأقساط في المتوسط من حدود 4 ملايين ليرة، كانت تشكل 2600 دولار قبل العام 2019، إلى حدود 28 مليون ليرة، تشكل اليوم حوالى 700 دولار، بحسب سعر الصرف في السوق السوداء.

إلى جانب الاستثمار في التعليم عند أكثرية الأسر اللبنانية، فان هناك مجموعة من العوامل حالت دون تراجع الطلب على المدارس الخاصة. فـ»المدرسة الرسمية لا توحي بالثقة»، يقول شمس الدين. و»ما عزز هذه الصورة عند اللبنانيين هو قيام أساتذة التعليم الرسمي، ولا سيما قبل الازمة، بوضع أبنائهم في المدارس الخاصة.

ومن العوامل التي شجعت أيضاً على عدم ترك المدارس الخاصة، هو تراجع الاقساط المقيّمة بالدولار بنسبة الثلثين أو حتى أكثر عما كانت عليه سابقاً. فمتوسط الأقساط في المدارس الخاصة يتراوح بين 28 و30 مليون ليرة. يسدد في المجمل مناصفة بين الليرة والدولار. في حين أن المعدل الوسطي للأقساط ما قبل الازمة كان بحدود 2600 دولار أميركي. «هذا التراجع ساعد العديد من اللبنانيين، ولا سيما منهم من يملك مصدر دخل آخر على البقاء في المدرسة الخاصة»، بحسب شمس الدين.



مساعدات للموظفين


بمقاربة علمية ايضاً، يرى الباحث التربوي نعمة نعمة أن ما بين 30 إلى 40% من التلامذة الذين يلتحقون بالمدارس الخاصة هم أولاد موظفين في القطاع العام، سواء كانوا في الإدارات العامة أو المؤسسات والمصالح المستقلة. ويصنّف ذووهم من الطبقات الوسطى إلى المتوسطة الغنية. وعليه تشكل هذه الفئة نسبة كبيرة من تلامذة المدرسة الخاصة تصل إلى مقدار النصف. وهي تستفيد من الانفاق العام الكبير. حيث بلغ مثلاً مقدار استفادة موظفي الضمان الاجتماعي من المنح التعليمية في العام الماضي 19 مليون ليرة للمنحة الواحدة. والأمر نفسه ينسحب على «الريجي»... وغيرها الكثير من المؤسسات العامة التي ساهمت التقديمات والمنح التعليمية التي تعطيها لموظفيها على عدم نقل أبنائهم إلى المدرسة الرسمية.



محمد شمس الدين


أما التلامذة الذين نزحوا إلى المدرسة الرسمية في العام الدراسي 2021 – 2022 فكانوا بشكل عام أبناء موظفي الإدارة العامة ممن ينتمون إلى الفئة الرابعة والخامسة، والقطاعات العسكرية. حيث أن المنح التي يتقاضونها لا تكفيهم على الاستمرار في التعليم الخاص، باستثناء، طبعاً، الأسر التي تستفيد من التحويلات الخارجية أو مصادر دخل أخرى. إلا أن المفارقة هي عودة جزء غير قليل منهم إلى المدارس الخاصة، لأن وضع المدارس الرسمية كان متعثراً جداً في العام الماضي. حيث لم تتجاوز أيام التعليم الفعلية 60 يوماً من أصل 180 يوماً. وتملّك الخوف الاهالي من عدم تلقي أبنائهم للتعليم المطلوب، ففضلوا التضحية بالكثير من الأمور الحياتية في سبيل تلقي أولادهم العلم السليم، ريثما تنجلي هذه الفترة.



فائض في المدارس والمعلمين: أستاذ لكل 8 تلاميذ


على الرغم من العدد الكبير للمدارس الرسمية، وانخفاض نسبة الإشغال فيها إلى 310 تلاميذ لكل مدرسة، فان خطة التربية الخمسية التي أطلقت في العام 2016 نصت على إعمار المزيد من المدارس الرسمية. وهي مدارس ستضاف إلى أخرى كثيرة شاغرة ولا سيما تلك التي شيدها مجلس الانماء والإعمار في جنوب لبنان. أما بالنسبة للاساتذة فيظهر أن هناك أستاذاً واحداً لكل 8 تلاميذ، وهذا الرقم أيضاً كبير ومتضخم لعدد الاساتذة. وهاتان المسألتان إذا ما أضيفتا الى فقدان المدارس الرسمية لأبسط مقومات الاستمرار من كهرباء ومياه وأوراق ومحابر وقرطاسية وصيانة ومازوت للتدفئة... فان قطاع التعليم برمته أصبح يتطلب إعادة هيكلة من أساسه. فـ»هذا النمط من إدارة ملف التربية لم يعد مقبولا»، يقول نعمة، و»قد فاقمت أزمة كورونا المتدحرجة منذ سنوات في قطاع التعليم، وأظهرت بشكل واضح الثغرات الكامنة في النظام».



غياب الخطط


في الوقت الذي يظهر فيه أن الكثير من الأسر لن تعود قادرة في المستقبل القريب على تسجيل أولادها في المدرسة الخاصة، لا توجد أي خطة فعلية لتطوير التعليم الرسمي. فمن الناحية النظرية هناك ما يعرف بالخطة الخمسية التي هي عبارة عن «شحادة مصاري من أجل توزيعها كمغانم ومنافع»، برأي نعمة. «في حين يغيب أي تفكير جدي. ولعل المثال الابرز هو منح 270 مليون دولار لوزارة التربية بين عامي 2016 - 2021 من أجل الترميم والإنشاءات والتوسعة من ضمن مشروع race 2. وقد ترافق هذا المشروع مع مشروع آخر لتطوير المدارس الرسمية وزيادة تجهيزاتها Reaching all children with education 2 المقدرة قيمته بـ 2.1 مليار دولار. وكان قد سبقهما مشروع D-RASATI لغاية العام 2010 الممول من USAID. فأين هذه الاموال. وكيف صرفت؟ ولماذا يموت طلاب في لبنان جراء تداعي سقوف المدارس عليهم كما حصل لماغي محمود؟». (راجع الدراسة الصادرة عن مركز الدراسات اللبنانية يوم الاربعاء 2 تشرين الثاني).



تضخيم الارقام


وبحسب نعمة يظهر أن «هناك لعبة ما في الإنفاق وتضخيم الأرقام. وهي تُظهر القطاع التعليمي، ولا سيما في المدارس الرسمية، سليماً في الشكل، فيما يختزن العديد من المشاكل الجوهرية والكبيرة والمعقدة والخطيرة في المضمون. إذ يغيب الوضوح عن الخطط، والشفافية والحوكمة الرشيدة ونشر ما تم إنجازه». و»على سبيل الذكر لا الحصر لا توجد متابعة لتعليم 200 ألف طالب سوري تتقاضى عليهم الدولة عشرات ملايين الدولارات سنوياً من الجهات المانحة. والدليل عدم وصول إلا ما نسبته 1% منهم إلى المرحلة الثانوية. كما تغيب متابعة أوضاع المدارس والروضات التي جرى افتتاحها والتأكد ما إذا كانت لا تزال تحافظ على مستوى الخدمات التي تقدمها، كما يوم افتتاحها في حضور الممولين والجهات المانحة. والأهم: هل من حل لأزمة المعلمين وخصوصاً المتعاقدين منهم الذين يشكلون العمود الفقري للتعليم. فالمعلمون المتعاقدون يشكلون نحو ضعف من هم في الملاك، وهم يعانون من تراجع البدل على الساعة، وتأخر تقاضي مستحقاتهم لأشهر تكون قد فقدت قيمتها الشرائية، وغياب التأمينات والضمانات». والمشكلة بحسب نعمة أنه «لا توجد مغريات للاستاذ المتعاقد للاستمرار، ومن يبقى هو معدوم الحال الذي لا توجد أمامه فرصة أفضل. وهذا أمر غير طبيعي ولا يبشر بالخير للمستقبل».



نعمة نعمة



لا مفرّ من إصلاح القطاع


إن استطاعت أغلبية الأسر هذا العام تأمين أقساط أبنائها في المدارس الخاصة بالاقتطاع من نفقاتها، فهي ستعجز عن الاستمرار في السنوات القادمة. فمن جهة ستزداد الضغوط المعيشية في ظل انهيار القيمة الشرائية للرواتب والاجور، ومن جهة أخرى سترتفع الاقساط المقومة بالدولار حتى تعود تدريجياً إلى سابق عهدها قبل الازمة. وعلى هذا المنوال فان إصلاح قطاع التعليم الرسمي سيكون ضرورياً للمحافظة على مستوى مقبول عند الطبقات المقهورة.



تضخيم كلفة التلميذ 


يكلف كل تلميذ بحسب أرقام وزارة التربية 2800 دولار في العام الدراسي. في حين تقدر التكلفة الفعلية بحسب «مركز الدراسات اللبنانية» بـ 2000 دولار فقط. وبحسب نعمة نعمة فان الجهات الرسمية تضخم الارقام لاسباب مختلفة، أهمها الإيحاء بان التعليم الرسمي مكلف اكثر من الخاص. وبالتالي هناك ضرورة لخصخصة التعليم. أما السبب الثاني فيتعلق بالحصول على قدر ممكن من المساعدات.



بالأرقام... وتفاصيلها


بالأرقام، فإن أعداد التلاميذ في مراحل الروضات والتعليم الاساسي والثانوي يبلغ حوالى 1.050.000 تلميذ، يتوزعون على الشكل التالي:

حوالى 703.500 تلميذ في المدارس الخاصة، 120.000 منهم في المدارس الخاصة المجانية، و346.500 تلميذ في المدارس الرسمية.

وتظهر الارقام أن «هناك 2796 مدرسة بين خاصة ورسمية تضم نحو 1.050.000 طالب. أي أن هناك مدرسة تقريبا لكل 376 طالباً. وهذه النسبة تعتبر من الأعلى في العالم. وتنقسم المدارس بين الرسمي والخاص على الشكل التالي: 1275 مدرسة رسمية تضم ما يقارب 346 ألف تلميذ يشكلون 33% من مجمل عدد التلامذة و41458 أستاذاً. في المقابل يوجد 1190 مدرسة خاصة تضم 583 ألف طالب و45000 استاذ. و331 مدرسة خاصة مجانية تضم 120 ألف تلميذ و6450 أستاذاً. نستطيع أن نستنتج أن هناك مدرسة رسمية واحدة لكل 310 تلاميذ، فيما هناك مدرسة خاصة لكل 441 تلميذاً.