وليد شقير

وهْم صناعة الرؤساء

18 تشرين الثاني 2022

02 : 00

يلجأ رئيس «التيار الوطنيّ الحرّ» النائب جبران باسيل بعد إخفاقه في احتلال مرتبة مرشح لرئاسة الجمهورية إلى الإيحاء بأنّ بإمكانه الحصول على موقع صانع الرؤساء في حركته ومواقفه وتصريحاته، لا سيما الأخيرة من باريس.

الارتقاء إلى مرتبة المرشّح متعذّر عليه، حتّى لو كان ذلك من أجل المناورة بترشيحه لكي يتمكّن من المساومة على هذه الصفة. لذلك يلجأ إلى الضجّة التي تنتهي بأن لا رئيس للجمهورية من دوننا، من المنبر الباريسيّ على قدر ما يعده «حزب الله» بأنّه سينسّق معه في حال البحث عن مرشح آخر غير سليمان فرنجية.

فباسيل والرئيس السابق ميشال عون يرفضان فرنجية منذ أن امتنع عن التصويت للجنرال عام 2016، ويأخذان عليه عدم مراعاة العلاقة معهما خلال مرحلة تواجدهما في الحكومات نفسها خلال عهد عون، وعدم ردّه الجميل لمشاركة ناخبي «التيار الوطنيّ الحرّ» في إنجاح المرشح الذي دعمه فرنجية في بشرّي ويليام طوق، ضد لائحة حزب «القوات اللبنانية» في الانتخابات النيابية الأخيرة.

كما أنّ من يعرفون كيف تفكر قيادة «التيار» يعتقدون أنها تعتبر تمثيل فرنجية المسيحيين، حتى في قضاء زغرتا قد تراجع، بحيث بات أكثر ضعفاً من السابق وأن الكتلة النيابية التي تشمل نجله طوني هي من 4 نواب ثلاثة منهم نجحوا بأصوات لا يمون عليها فيما نواب «التيار الوطنيّ الحرّ» يتوزّعون على معظم الأقضية، ولو أنّ بعضهم نجح بفضل دعم ناخبي «حزب الله» لهم... إلى غيرها من الحجج التي تقلّل من حظوظ رئيس «تيار المردة» في الرئاسة الأولى، وفق منطق العونيين.

مرة أخرى يستفيد باسيل من حليفه «حزب الله» من أجل الإيحاء بقوته. وهو إذ يعتبر إفقاد جلسات انتخاب الرئيس نصاب الثلثين دليلاً على أنّه لا رئيس من دونه، فإنه يقفز فوق واقعة أنّ النواب الشيعة الـ27 المنتمين للحزب وحركة «أمل»، زائد بعض حلفائهم، حتى من تكتل «لبنان القوي»، كفيل بجمع الثلث زائداً واحداً (43 نائباً) لتطيير النصاب القانوني للجلسات طالما القوى السياسية الأخرى السيادية والتغييرية المعارضة ومعها المستقلون، مشتتة، ويتغيّب في كل مرة بعض نوابها.

واقع الأمر أنّ أصوات «التيار الوطنيّ الحرّ» يجري توظيفها حالياً بتطيير النصاب. وقد يكون الأصح أن يقول باسيل إنه لا تطيير للنصاب من دوننا، قبل أن يعتبر أن لا رئيس من دوننا. ففي اللحظة التي يضمن «الحزب» إقناع بعض الكتل الأخرى بفرنجية، أو بأي مرشح آخر، سيمضي به من دون تردّد، حتى إذا لن يصوّت «التيار الحرّ» لمصلحته. فـ»الحزب» على رغم كل مراعاته لحليفه تتفوّق حساباته الإقليمية على الموقف الداخلي، الذي يطوّعه حسبما يخدم أهدافه الإقليمية.

باستطاعة باسيل وغيره اللعب على الإلتباسات الإعلامية لاهتمام الخارج بإنهاء الفراغ الرئاسي، للتوهّم بأنه عنصر مقرّر في الاستحقاق الرئاسي، في مرحلة الجمود التي تغلب على المعالجات للمأزق. فالمعطيات التي في حوزة مراجع معنية تشير إلى أن العواصم المتابعة لوضع لبنان ولا سيما واشنطن، لم تبدأ بإيلاء أهمية استثنائية، للفراغ الرئاسي.

فالتقارب الأميركي - الفرنسي في ملفات عديدة، قد يترك لباريس مهمة استطلاع الموقف وإمكانات التدخل، خصوصاً أنّ واشنطن قدّرت عالياً الدور الذي أدّاه الرئيس إيمانويل ماكرون في المساعدة على إنجاز ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل. وتقول هذه المعطيات أيضاً، إنّه على رغم كلّ التسريبات عن اقتراح هذه العاصمة أو تلك اسماً أو أكثر، فإنّ ما يؤكد عليه سفراء الدول الكبرى أنهم لن ينزلقوا إلى هذه اللعبة، حتى لو تمّ ذكر أسماء من قبل محدّثيهم اللبنانيين. كما أنّ التعليمات لديهم من عواصمهم تقضي بعدم الدخول في أي بحث في الأسماء. وإذا كان لذلك من دلالة حسب تلك المراجع، فهي أن فكرة التسوية على الرئاسة اللبنانية لم تنضج بعد في الخارج حتى لو كانت العواصم تلحّ على انتخاب الرئيس الجديد وتشكيل حكومة.


MISS 3