سمر القزّي

بنوك خارج الخدمة... والإصلاح! (الجزء الثاني)

19 تشرين الثاني 2022

02 : 00

في الجزء الأول من سلسلة "بنوك خارج الخدمة"، تمكنّا من تقدير حجم الاقتصاد النقدي بالأرقام وإظهار من يستفيد من نمو الاقتصاد البديل الجديد. فكان جلياً أن المؤسسة المالية الأميركية "ويسترن يونيون" Western Union، ومن خلال وكيلها الرئيسي في لبنان "أو إم تي" OMT، ضالعة في الاقتصاد النقدي غير القانوني الذي يتسبّب في مضاعفة معاناة اللبنانيين والشركات في جميع أنحاء البلاد جراء شحّ السيولة بالدولار. لقد بات نظام الحوالات النقدية الآن أحدث ما اخترقته الميليشيات والمافيا!

المخطّط الفاسد لمصرف لبنان

ترتبط "ويسترن يونيون" مباشرة، من خلال وكيليها الرئيسيين في لبنان "أو إم تي" و"بوب فينانس" Bob Finance، بالمخطط الفاسد لمصرف لبنان المركزي والذي يُستخدم لامتصاص الدولارات من السوق اللبنانية مقابل رسوم ثابتة بنسبة 3% لمصلحة هاتين الشركتين. أما الشركة الثالثة المتورطة في هذا المخطط الفاسد، فهي شركة "سيتيكس" CTEX لصاحبها حسن مقلّد الذي هو على ارتباط مع رئيس مجلس النواب نبيه برّي.

عقب صدور المقال الأول "بنوك خارج الخدمة" بتاريخ 11 تشرين الأول 2022، أعلن المصرف المركزي في اليوم التالي أنه سيوقف هذه العملية، فانخفض سعر صرف الدولار الأميركي لليرة اللبنانية من 40 ألفاً إلى 34 ألفاً مما أراح الناس كثيراً حينذاك. لكن بعد مرور شهر على ذلك، وتحديداً في 7 تشرين الثاني 2022، أعلن المصرف المركزي أنه سيستأنف الشراء، وبالتالي فإنه سيستمر بدفع نسبة 3% إلى "أو إم تي" و"بوب فينانس" و"سيتيكس" فتعود المياه الآسنة إلى مجاريها. من المرجح أن المصرف المركزي يدفع من احتياطه أو ممّا تبقى من أموال المودعين رسوم الـ3%. فإن سدّدت بالدولار فيعني انها مما تبقى من أموال المودعين وإن سددت بالليرة اللبنانية فيعني ان المصرف المركزي يلجأ الى طباعة العملة ما يؤدي حكماً الى التضخم. وهكذا فإن عملية النهب تستمر!

سواء أكان مرغماً أو بإرادته، فإن محافظ المصرف المركزي رياض سلامة أضحى يُثري حليفاً وصديقاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصديقاً مقرباً لرئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، عبر الوكيل "أو إم تي" التابع للشركة الأميركية "ويسترن يونيون".

لذا إذا كان وجود مصارفنا خارج الخدمة قد أوقعنا في ورطة هذا النظام النقدي البديل الغارق في الفساد من أخمص قدميه حتى أذنيه وفي تمويل المنظمات الإرهابية والأفراد الخاضعين للعقوبات، فما الذي يُبقينا رازحين "خارج الخدمة"؟

الاصلاحات وصندوق النقد

منذ التفاهم على "اتفاقية مستوى الموظفين" SLA مع صندوق النقد الدولي في نيسان 2022، طُلب من حكومة ميقاتي إنجاز أربعة إصلاحات لكي يتسنى لصندوق النقد الدولي المضي قُدماً في برنامج إنقاذ لبنان.

هذه الإصلاحات الاربعة هي: إصدار قانون "كابيتال كونترول"، إقرار الموازنة لعام 2022، إجراء إصلاحات بشأن قانون السرية المصرفية وإصدار قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي.

الكابيتال كونترول

الصيغة المقدمة للـ"كابيتال كونترول" أعدها وزير المال يوسف الخليل، نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي، مستشار رئيس الوزراء نقولا النحاس بالإضافة إلى مستشارين من مصرف لبنان المركزي. تنص النسخة التي رفعت الى مجلس النواب على الآتي:

. إعطاء صلاحيات تعسفية للجنة يرأسها حاكم المصرف المركزي للبت في تحويل الأموال إلى صناعات معيّنة وأفراد معفيين، ومن يدري ما قد تكون النتيجة جراء هكذا اصلاحات وفي ظل غياب ضوابط لمنع الاستنسابية؟ إذ يمكن للقانون أن يُقدِّم خدمات سياسية خاصة وهو يُبقي سلطة تحويل الأموال بشكل أساسي بيد الحاكم شخصياً.

. توفير غطاء قانوني للمصارف لتبرير تصرفاتها السابقة غير القانونية تجاه المودعين بحيث لا يستطيع أحد منهم مقاضاتها. كما يمنعهم النَص من اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لاستعادة ودائعهم.

. لم يأت قانون الـ"كابيتال كونترول" المقترح كجزء من نهج متكامل للتعافي من الأزمة. لذا غير معروف على أي أساس سيصدر.

. إن هذا القانون المليء بالشوائب والذي يحمي المصارف على حساب مصالح المودعين ما هو إلا غطاء لاكبر سرقة يتعرض لها شعب عبر التاريخ. كما أنه بوضعه صلاحيات تعسفية بين يدي حاكم المصرف المركزي واللجنة المعيّنة سياسياً وبعيداً عن أي آلية شفافة، من شأنه أن يُعيدنا إلى غياهب الثقب الأسود للمصرف المركزي حيث بدأت الخطيئة الأصلية واختفت أموال المودعين.

. منذ أكثر من عامين ونص الـ"كابيتال كونترول" مدار بحث في مجلس النواب من دون أن يترافق ذلك مع بحث أي مسوّدة لمشروع قانون لإعادة هيكلة المصارف. الخيار الامثل أن يُطبَّق الـ"كابيتال كونترول" أثناء صياغة حل للتعامل مع الودائع المجمّدة. أما في واقع الحال القائم، فإن حلاً للودائع المجمّدة لم يُصَغ حتى والتوصل الى القانون في هذا الصدد أمر ضروري. كما أن أي إصلاحات جادة يجب أن تسير جنباً إلى جنب مع قانون إعادة هيكلة المصارف.

الموازنة... مسرحية وحبر على ورق

أعدّ مشروع الموازنة وزير المال يوسف الخليل وفريقه مع متابعة حثيثة من نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي وهو المُحاور الرئيسي مع صندوق النقد الدولي.

أين كان الخطأ؟ إستند مشروع الموازنة على أرقام وهمية خلت من أي رؤية واضحة لسعر الصرف المستخدم. كما تضمنت افتراضات بشأن زيادة الجمارك والضرائب التي لم تُحصّل عملياً لسنوات عدة بسبب الفساد وسوء الإدارة.

هذه الأرقام أشبه بـ"مسرحية"، فهي "حبر على ورق" وُضعت لتبرير المستوى المنخفض من العجز الذي ورد في مسوّدة الموازنة ولتضليل صندوق النقد الدولي والمواطنين. لقد جاء في ادعاءات الشامي أن صندوق النقد الدولي وعد بسد فجوة عجز الموازنة. من هنا حض البرلمانيين على الإسراع في التصويت على الأرقام العشوائية الوهمية، لدرجة أن رئيس مجلس الوزراء شارك النواب بعض الأرقام شفهياً لا خطياً قُبيل التصويت على الموازنة بدقائق.

لتغطية فجوة أو عجز الموازنة، سيتعيّن طباعة النقود مما سيتسبب بزيادة التضخم وبمزيد من الانخفاض في قيمة الليرة اللبنانية المتدنية أصلاً.

ما شهدناه في هذه الحالة كان تشريعاً يُفرَض في مجلس النواب تحت ذريعة أحد متطلبات صندوق النقد الدولي، قد ينتج عنه أثر تضخمي كارثي على الاقتصاد مما يُعاكس تماماً الهدف المنشود من تدخل صندوق النقد.

بضغطه لإجبار النواب على تمرير هذه الموازنة، يستغل الشامي صندوق النقد الدولي كغطاء أو وسيلة "إلهاء" لإخفاء فساد الجهة التي تُدير وزارة المال. وهو بذلك يُضفي عليها في نفس الوقت نوعاً من الشرعية. كما أن الشامي – باتباعه المبادئ الفاسدة لميقاتي – يُضلل صندوق النقد الدولي والعموم بجعلهم يظنون أن هذه إصلاحات تُقدّم حلولاً، لكنها في الحقيقة ليست كذلك.

حين وصل نص الموازنة إلى لجنة المال والموازنة النيابية، رفضت اللجنة التصويت عليها أو تمريرها مشيرة الى إفتقار الأرقام التي تضمنتها للدقة بسبب تعدد أسعار الصرف المستخدمة ما يحول دون إمكان التنبؤ بالإيرادات والنفقات. لكن الهيئة العامة لمجلس النواب صوتت على هذه الموازنة متجاوزة بذلك ملاحظات اللجنة.

تمكن أصحاب الشأن من تمرير الموازنة في البرلمان في 26 أيلول الماضي، بينما قال جميع النواب الذين تم إستصراحهم إنها موازنة غير مجدية وغير قابلة للحياة. والسؤال هنا، ما هو المنتظر من موازنة لعام 2022 أعدّت وعرضت على مجلس النواب في وقت متأخر من العام أي قبيل أيام من الربع الاخير منه؟ غالبية بنودها تكون قد طبقت فإما نجحت أو فشلت، فمن يعلم!


قانون السرية المصرفية

صاغ مشروع هذا القانون وزير المال يوسف الخليل ونائب رئيس مجلس الوزراء سعادة شامي ومستشارو مصرف لبنان المركزي.

عُرض على البرلمان رغم تضمنه ثغرات عدة، أحدها أنه يُسمح للمسؤولين الحكوميين والقضاء بالوصول إلى حسابات الأشخاص بشكل عشوائي ومن دون ضوابط أو آليات شفافة، وكذلك من دون وجود قوانين من شأنها حماية البيانات الشخصية للمودعين من النشر Data protection acts.

في غياب قانون لحماية البيانات وجهاز قضائي مستقل، يُمكن لمشروع القانون أن يترك الناس عرضة للابتزاز على يد موظفي القطاع العام الموالين للأحزاب الحاكمة في الحكومة مما قد يؤدي إلى اضطهاد سياسي للمعارضة.

في حين أن رفع السرية المصرفية أمر بالغ الأهمية لتحسين عملية تحصيل الضرائب وزيادة المساءلة والشفافية، فإن حماية عموم الناس من استغلال المكلَفين بتنفيذ القانون أمر لا يقل أهمية.

حين رفعت سويسرا السرية المصرفية عن الحسابات العالمية في عام 2018، كان لديها قوانين لحماية البيانات أُلغيت تدريجياً على مدار سنوات عدة، وليس وفق إجراء واحد.

بعد ما يقارب عام من التفاوض، عُرض أخيراً مشروع تعديل قانون السرية المصرفية على البرلمان في 19 تشرين الأول 2022. فيما ذكر صندوق النقد الدولي في تقريره القانوني إن "تعديلات قانون السرية المصرفية التي تم تبنيها في 26 تموز تُمثل إصلاحاً جوهرياً لنظام السرية المصرفية في لبنان، مما يُقربه من المعايير الدولية والممارسات العالمية الجيدة".

قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي

لم يُرسل هذا القانون إلى البرلمان بعد. كتبه سعادة الشامي ويوسف الخليل ومستشارو المصرف المركزي، ليُراجعه صندوق النقد الدولي. تأخروا في إرسال المسودات إلى البرلمان.

أخيراً، يتوجب رسم خطة حكومية متكاملة للتعافي الاقتصادي ويجب أن تكون القوانين المذكورة أعلاه جزءاً من هذه الخطة. إلا أن مسودات ومشاريع هذه القوانين تصل إلى البرلمان من دون أي ترابط في ما بينها وتُعرض عند الحاجة الملحّة دون أي صلة بخطة التعافي أو شيء من هذا القبيل. لقد أكد العديد من البرلمانيين الذين إستُصرِحوا أنهم يتعجّبون كيف تُجزّأ الإصلاحات وتُرسَل إلى البرلمان من دون اي ترابط مع الخطة. لذا كان يتعذّر عليهم أن يفهموا على أي أساس كانوا يُجرون التعديلات على النصوص.

صيغت أول خطة تعافٍ اقتصادي حين كانت حكومة حسان دياب في السلطة. شاركت شركة "لازارد" في المسودة الأولى للخطة عام 2020. أما حكومة ميقاتي التي شكلت بعدها، فقد أعادت صياغة الخطة القديمة بناء على "اتفاقية مستوى الموظفين" SLA المعقودة مع صندوق النقد الدولي وعدّلتها وأعادت تقديمها إلى لجنة المال والموزانة النيابية في نسخ متعدّدة، إذ تسلم أعضاء اللجنة ثلاث نسخ من خطة التعافي الاقتصادي منذ بداية الأزمة.

تجدر الاشارة الى أن لجنة المال والموازنة لا تُصوت على خطط الحكومة وإنما تدرسها وتقرّها تمهيداً لرفعها الى الهيئة العامة حيث يتم التصويت عليها. كما ان الخطط الثلاث التي وردت كانت تفتقر إلى التفاصيل والتماسك بسبب النهج الحكومي غير المنظم في إعداد حزمة الإصلاحات، مما صعّب عمل لجنة المال والموازنة.

بناء على ما تقدّم، أصبح واضحاً أن الفاسدين في الحكومات المتعاقبة التي سيطر عليها "حزب الله" وحركة أمل وحلفاؤهما، بالتعاون مع مصرف لبنان المركزي، يُفرغون الإصلاحات من مضمونها المنشود ويلقون بالكرة إلى اللجان في مجلس النواب وغيرها.

مسودات قوانين مشبوهة

المصرف المركزي وبالتعاون مع وزارة المال التي يسيطر عليها الثنائي الشيعي يكتب مسوّدات قوانين مشبوهة يتم عدم إقرارها في البرلمان حيث تتطلب الصياغة وإعادة الصياغة. إن كل خطة أعدّتها الجهات المذكورة تم عدم إقرارها في البرلمان وأُعيد إرسالها إلى الحكومة أو الوزارة المعنية التي بدورها إحتاجت الى أشهر عدة من أجل إعادة صياغتها.

هذا لا يعني أن البرلمان هو من يفرمل إقرار هذه القوانين، بل يعني أن لدينا في السلطة أشخاصاً فاسدين غير أكفاء يحاولون الاستمرار في فسادهم المعتاد. بشكل عام، يُستخدم برنامج صندوق النقد الدولي للدفع بإتجاه تطبيق الإصلاحات على المستويين المالي والنقدي ولكن من دون اقترانه بالإصلاحات السياسية وبإصلاح القطاع العام. إن المؤسسات اللبنانية والافراد باتوا عرضة لإدارة عامة فاسدة تتحكم في مصيرهم بالكامل.

الثنائي الشيعي يسيطر على وزارة المال منذ سنوات، وإن كنتم تعتقدون أنه قادر على الإصلاح في ظل العقوبات المفروضة على "حزب الله" والاقتصاد النقدي المزدهر الذي يُغذيه، فأنتم مخطئون. أقل ما يقال عن وضع الإصلاحات بين أيدي من تسببوا في الأزمة المالية ويجنون الثروات من الاقتصاد النقدي بأنه أمر مثير للسخرية.

لكن ما يثير الدهشة أكثر هو كشف النواب الذين تواصلنا معهم لإعداد هذا المقال ان صندوق النقد الدولي إستغرق أشهراً عدة قبل أن يعود بملاحظاته على بعض الإصلاحات المرسلة من الجانب اللبناني ليعيد الاخير صياغتها.

مماطلة الصندوق

على سبيل المثال، أُهدر الكثير من الوقت على قانون السرية المصرفية الذي استغرق وقتاً طويلاً لصياغته لأن صندوق النقد الدولي كان يأخذ أحياناً ثلاثة أشهر للعودة إلى الجانب اللبناني قائلاً له إن عليه إضافة المزيد من التعديلات. فتشرع اللجنة المتخصصة بعد ذلك بتعديله وإرساله مجدداً، لتقبع النسخة المعدلة شهرين آخرين مع صندوق النقد الدولي. يتزامن كل هذا مع تعرّض النواب اللبنانيين لضغوط السفارات الغربية من اجل الاسراع بإقرار الإصلاحات المقدمة وعدم عرقلة المسودات المقترحة. لقد أفاد بعض هؤلاء النواب أنهم كانوا بين المطرقة والسندان حيث تعرضوا لضغوط للتصويت على إصلاحات كتبتها طبقة سياسية فاسدة لم ترق إلى مستوى المسؤولية، مجازفين باتهامهم بإفشال هذه الإصلاحات. وبمجرد أن يمرروها، في الغالب ستتعثر أكثر مع صندوق النقد الدولي وهو كما تبيّن ليس في عجالة من أمره لإنقاذ لبنان.

باتت مسألة وقت فقط قبل أن يفقد اللبنانيون الثقة في قدرة برنامج صندوق النقد الدولي على الدفع لتطبيق الإصلاحات الحقيقية وأن يبدأوا التشكيك في الحاجة إلى مثل هذا البرنامج أصلاً. لكن كما ذكرنا، لا يبدو أن صندوق النقد الدولي نفسه في عجلة من أمره للنظر في ملف لبنان. وكأن ثمة كلمة سر لإنقاذ لبنان لم تُعطَ بعد.

مثبث برمودا

هناك طبقة سياسية فاسدة حازت على الأغلبية في البرلمان على مدى السنوات الست الفائتة وهي نفسها التي أبعدت لبنان عن حلفائه الطبيعيين والمستثمرين الأجانب المباشرين. هذه الطبقة حرصت حين لم يتبق شيء للسرقة على نهب ودائع الناس (86 مليار دولار أميركي) من القطاع المصرفي. يبدو وكأن هذه الودائع إختفت بطريقة ما في مثلث "برمودا" المسمى مصرف لبنان المركزي، مما جعل لبنان بأكمله "بنوكاً خارج الخدمة".

نفس الطبقة السياسية تلك لديها سلطة على وزارة المال. فللبقاء عائمة على اقتصاد ذي "بنوك خارج الخدمة"، أنشأت اقتصاد ظل نقدي جنباً إلى جنب مع مصرف لبنان المركزي ليستمر في إثرائهم مما تبقّى من احتياط ودائع الأفراد. بامتلاكها نظام التحويلات النقدية، تحصل على 3% من مصرف لبنان على كل دولار يتعاملون معه من احتياطيات المصرف المتبقية. مع ذلك، فإن المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي يعهدان إلى الثنائي الذي يتعامل مع وزارة المال إلى جانب مصرف لبنان المتواطئ بتقديم إصلاحات لدولة غارقة في اليأس. حينما يتم تسليمها أخيراً بطريقة أو بأخرى، فإنها تتعثر عند صندوق النقد الدولي الذي لا يبدو كذلك أنه في عجلة من أمره لإنقاذ لبنان.

لقد كانت تكلفة تخلّف لبنان عن السداد كارثية على جميع قطاعات الاقتصاد. بالإضافة إلى انخفاض قيمة الليرة، يُمكن تلخيص الفاتورة في جميع القطاعات على النحو الاتي: * التكلفة على الناتج المحلي الإجمالي هي الهبوط من 55 مليار دولار أميركي إلى 22 ملياراً على مدى ثلاث سنوات وهو آخذ في التناقص.

* تكلفة الفرصة الضائعة البالغة 100 مليار حتى الآن.

*هناك خسائر المصرف المركزي التي تشمل ودائع الأفراد بقيمة 186 ملياراً.

* تقييم تدمير جميع القطاعات الخاصة، من العقارات إلى التعليم والرعاية الصحية إلى جيل مستقبليّ من العمالة المهاجرة.

هكذا ينتهي بنا الأمر عند خسارة قد تفوق قيمتها 700 مليار دولار أميركي للاقتصاد ككل. لكن لا يزال هناك من يثنون على تخلف لبنان عن سداد دفع 1,3 مليار لسندات "اليوروبوند" وعلى المستشارين غير الأكفاء الذين ضغطوا على الحكومة آنذاك لتتخلف عن السداد "غير النظامي"، ذاك الذي أدى إلى أسوأ تخلف عن السداد بين الدول. اختفى الآن أولئك المستشارون، أكانوا محليين او إستقدموا من الخارج فقط بهدف حضّ رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على التخلف عن السداد. أما من لديهم الحلول فما مِن فرصة أمامهم للوصول إلى السلطة.

للأسف ستبقى بنوكنا خارج الخدمة والإصلاح!

(*) خبيرة بالأسواق المالية العالمية


MISS 3