سناء الجاك

"كلّن يعني كلّن" شركاء في المهزلة

3 كانون الأول 2022

02 : 00

أوصلتنا مهزلة جلسات انتخاب رئيس للجمهورية إلى القرف من ممثلي الأمّة "كلّن يعني كلّن". إذ بات يصعب العثور على نائب يستطيع أن يقنعنا بجدوى مواقفه. ما لدينا وبالبرهان والقياس، هو أنّ المجلس منقسم إلى تكتلات للعاجزين والفاشلين من جهة، والمتآمرين الكذّابين والمتذاكين من جهة أخرى.

ولم يعد اكتشافاً، ولم يكن اكتشافاً في الأساس، أنّ المنظومة التي تتحكم بالبلاد لا تريد، حتى تاريخه، انتخاب رئيس، بموجب قرار "حزب الله"، تلبية لمشغِّله الإيراني، وذلك بانتظار وضوح الرؤية الإقليمية ليحدد مآربه من الورقة اللبنانية.

بالتالي، فإن تكرار نغمة السعي إلى "الرئيس التوافقي" غير صحيحة، والصحيح أنّ الحاكم بأمره يريد أن يُخضع الجميع للمرشح الذي يريده، هو يفرض عليهم "التوافق"، ولا يجد سبباً ليستعجل، فيلعب على عامل الوقت لجرّ الجميع إلى تسوية مماثلة لتسوية العام 2016، ليقينه أنّه سيقطف ثمار ما يرمي اليه، ويواصل استراتيجيته القاضية بمصادرة سيادة البلد كما فعل ويفعل وبطريقة أقوى، مع أمل بالوصول إلى استنساخ الوضع الايراني، وتكريسه واقعاً يقع فوق رؤوسنا.

وعليه، تبقى أي دعوة للحوار مجرّد دعوة لصفقة إرغامية، لم تنضج طبختها في المرحلة الراهنة. ومن يدّعي غير ذلك هو إمّا مُغرض أو متشاطر يفضّل الإقرار بالاحتلال والتفاوض على حصّته من الصفقة الإرغامية، حتى لا يخرج من الموسم بلا حمص، أو هو ساذج يفضّل تجنّب الاعتراف بهذا الاحتلال والهروب منه عبر سردية في العموميات تعفيه من المواجهة.

فأيّ حوار لا ولن تستوي شروطه ومقوّماته ما دام المحاور الأقوى والأكثر قدرة على التحكّم بمجرياته يضع على الطاولة تباهيه بمئة ألف صاروخ ومئة ألف مقاتل. وما دام مشغِّله بحاجة إلى تمدد نفوذه أكثر فأكثر في ربوعنا، ليبتز أكثر فأكثر "شيطانه الأكبر" ومن لفّ لفّه من الحلفاء، وينتزع منه اعترافاً بأن إيران هي "النقطة الأكثر أهمية وحساسية في المنطقة الاستراتيجية لغرب آسيا"، والتعامل معها يجب أن يتم على هذا الأساس، بما يعني اعتمادها مرجعاً لا يمكن تجاوزه في المنطقة، وتفويضها الامعان أكثر فأكثر في جرائمها وتفكيكها الدول التي تسيطر عليها مقابل ما يمكن أن تقدّمه إلى الولايات المتحدة، كتسهيل ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل مثلاً. أو تهديد أمن دول الخليج العربي بما يكفل للأميركيين بيع المزيد من الأسلحة في المنطقة. أو تقاسم النفوذ باتفاقات ضمنية. أو حماية النفوذ باختلاق حركات تطرّف وتمويلها لتبرير التدخل في المنطقة... أو... ولا تنتهي قائمة الأطماع ومخططات التوسّع.

ومواجهة هذا الواقع لا يمكن أن تؤتي ثمارها بتصريحات لم تعد تُبهر أو تشبع العقل أو حتى الغرائز الشعبوية. وما لم يتم تشخيص الوضع الدقيق الذي يمر به لبنان، وهو أنّه تحت احتلال ومصادرة سيادته وقراره، ليس فقط في المقابلات، ولكن في مجلس النواب، لن ينفع التلهّي بتفسير الدستور المنكوب والمنتهك.

ولن تختلف الجلسة التاسعة عن سابقاتها، ما لم يتفق نواب المعارضة والكتل "السيادية" والمستقلون "كلّن يعني كلّن"، على ترشيح اسم واحد يحمل لواء مواجهة الاحتلال ومصادرة السيادة، بصراحة وبالمباشر ومن دون خوف من ردّات الفعل المتوقعة، ليس لإيصاله إلى كرسي بعبدا بالضرورة، ولكن لإظهار مدى القدرة على اتخاذ قرار في المكان الصحيح لمواجهة ما يُرتكب ضد لبنان. وما لم يتفقوا أو ينسحبوا ويتركوا للحاكم بأمره أن يحكم وحده عوض ان يتلاعب بهم وبنا عبر تكراره نغمة انتظار التوافق حتى يتحقق المرتجى، يمكن اعتبارهم شركاء في المهزلة.