جيانا موسى

أسعار الميلاد "نار".. والشّعب "معيّد" بالزّينة القديمة..

بالصّور: "طفلُ المذود الفقير"... مغارته تُساوي الملايين في لبنان

6 كانون الأول 2022

17 : 26

يستعدّ اللبنانيّون بعد أيّام قليلةٍ للاحتفال بعيد الميلاد المجيد. عيدٌ، لطالما حمل معهُ البهجة إلى القلوب والسّلام إلى العائلات وأعادَ النّاس إلى إيمانهم، بعدما كثُرت الانشغالات الحياتيّة والهموم المعيشيّة، في ظلّ تزاحُم الأزمات المُتفاقمة التي لا تعرف هداوة، ولا تنفكُّ تشدّ الخناق على اللبنانيّ المعروف بحبّه للحياة.


وعلى الرّغم من أنّ عيد الميلاد له مكانة خاصّة في القلوب، بات اللبنانيّون يخافون حلوله، إذ إنّ في كلّ عام تزدادُ التكاليف ومعها الغلاء الّذي يتنفّسُ ملء رئتَيه جارفاً معهُ ما تبقّى من قدرةٍ معيشيّة لدى اللبنانيّين الّذين يُصارعون من أجل البقاء والاستمرار، وما عاد باستطاعتهم أن يُؤمّنوا لقمةَ عيشهم.. فكيف لهم أن يهتمّوا بالتّرف والزّينة والبهارج؟


حتّى السّاعة، الشوارع والسّاحات لا تزالُ في معظمها حزينةً، لا تُضيئها المصابيح ولا تُزيّنها الشرائط المُلوّنة ولا تُطوّقها الأنوار، ما خلا بعض المناطق الّتي عمدت إلى إدخال الفرحة إلى قلوب سكانها، وذلك عبر مبادراتٍ شخصيّة. لا زحمة ناس هذا العام ولا نسبة شراء، لا فرحة ولا مَن يفرحون..


التعويل على ميلاد 2022

ويزدادُ التعويل هذه السّنة على الموسم الميلاديّ لتحريك العجلة الاقتصاديّة وتحسين الواردات السنوية، خصوصاً بعدما بدأَ المواطنون يتنفّسون الصّعداء عقب تراجع عدد الإصابات بوباء كورونا الذي ألزمهم البقاء سنتَين كاملتَين في البيوت، وبعدما تمّ تعديلُ معظم رواتب الموظفين بشكلٍ يُحاكي غلاء المعيشة وارتفاع سعر صرف الدولار في السّوق السّوداء، مع ما يترافق من تعزيز للحركة السياحيّة خلال فصل الشتاء، بعد إطلاق وزارة السياحة حملة "عيدا عالشتويّة".


وعلى الرغم من بادرة الأمل التي بدأت تلوح في الأفق، لا يزال أصحاب المحالّ التجارية الصغيرة يتحسّرون على السنوات الماضية، إذ إنّهم يعلّقون بحسب تعبيرهم، آمالاً فارغةً في كلّ سنة، على موسمٍ، لا يعودُ إلا بالشّقاء وبالمزيد من التعاسة والخسارة عليهم.


وبجولةٍ لموقع "نداء الوطن" الإلكترونيّ على أحد محالّ بيع الزينة والأغراض الميلاديّة في كسروان، لوحظ الغياب شبه التام للزينة، والاكتفاء بعرض بعض الطّابات الملوّنة القديمة الّتي تزور الرفوف في كلّ عامٍ والّتي صارت جزءاً لا يجزّأ منها.


وأكّدت صاحبة هذا المحلّ، أنّ "الناس يكتفون بما عندهم من زينةٍ، و"عم بيسكّجوا" على أغراضهم القديمة، فالأزمة الخانقة أطاحت بالكثير من العادات والتقاليد الميلاديّة، وهذا يُفسّر بشكلٍ واضحٍ عدمَ رغبة اللبنانيين بالتجديد. لذا، لم نُكثر من البضاعة هذا العام، لأنها ستنضمّ في طبيعة الحال، خلال نهاية هذا الشهر، إلى البضائع الّتي تُوضّب مع انتهاء كلّ موسم".


دولارات كثيرة ولا رغبة في الشراء

في المقابل، يقول صاحب متجرٍ عائليّ لبيع أغراض الزينة في منطقة جونية، إنّ في لبنان "دولارات كثيرة ووفرة مال، إضافةً إلى ارتياحٍ اقتصاديّ غير مسبوق، على الرغم ممّا يُروَّج له من أزمةٍ اقتصاديّة. فالناس بمعظمهم يتقاضون الرواتب بالدولار "الفريش" أو يسحبون التحويلات من الخارج ويستفيدون من تصريف الدولار، ولكنّهم يُوفّرون هذه الأموال لأغراضٍ حياتية أخرى، بعيدة كلّ البعد من الزينة والبهارج، فالبعض يُفضل أن "يُخبّئ قرشه الأبيض ليومه الأسود"، والبعض الآخر يُفضّل أن يستثمر بما ينفعه".


حركة بلا بركة

أما عن الحركة في الأسواق ونسبة الشراء مع حلول شهر كانون الأوّل، مع الإشارة إلى أنّ غالبية المحالّ التجاريّة أعلنت عن حسوماتٍ تصل إلى 50% على بضائعها، فيقول صاحب سوبرماركت في منطقة جونية لموقعنا، إنّه "لا يزال من المبكر التحدّث عن حركة السوق ما قبل الأعياد. فلننتظر ولنرَ خلال الأيام المقبلة إن كان سيتحسّن الوضع".


أضاف: "في طبيعة الحال، تشهد الأسواق زحمة خانقة قبل أيام قليلة من العيد، وهذا العام استثنائيّ كالأعوام السابقة، إذ يصعب على شريحة من المجتمع الاحتفال بالعيد كما جرت العادة سابقاً".


وبهدف الاستطلاع على آخر أرقام الزّينة الميلاديّة كانت لنا جولة على العديد من المحالّ التجاريّة في عددٍ من مناطق كسروان وبيروت، واللافت أنّ الأسعار، إن اختلفت، تبقى مرتفعة وتتخطّى قدرة المواطنين الشرائيّة.


أسعار زينة عيد الميلاد "نار" وبالدولار

فمحظوظٌ بالفعل مَن ليس بحاجةٍ هذه السنة إلى أغراض الزّينة الّتي تفوق الملايين، إذ إنّ التسعير بات في عددٍ من المحالّ التجاريّة بالدولار الأميركيّ، تخوفاً من ارتفاع سعر الصرف. وفي هذا الإطار، سجّلت شجرة العيد أرقاماً قياسيّة، مُتراوحةً ما بين الـ3 مليون ليرة للشّجرة الصغيرة و8 مليون للشجرة الكبيرة، أمّا بالنسبة إلى المغارة، فوصل سعرها إلى ما يُقارب المليون ليرة لبنانيّة، فيما تراوح سعر أشخاص المغارة بين 600 ألف ليرة للحجم الصّغير وأكثر من 3 مليون ليرة للحجم الأكبر.


وفي هذا الإطار، قال صاحب محلّ تجاريّ في منطقة الزلقا، إنّ "الكلفة ارتفعت كثيراً وصرنا مرغمين على رفع الأسعار كي لا نتكبّد الخسائر الماليّة التي لم نعُد نستطيع أن نتحملها. مرّ عامان ونحن نحاول أن نوفّق بيننا وبين الزّبائن كي لا نخسرهم وكي لا نبقى من دون عملٍ، ولكننا اليوم نواجه صعوبة كبيرة في حال عدم رفع الأسعار، رغم أنّنا نُدرك عجز البعض عن دفع تكاليف باهظة مقابل الحصول على زينة الميلاد. فللناس أولويّة خلال هذا الزمن الصعب، وأولويتهم تكمن في تأمين حاجياتهم الأساسيّة".


أما الأضواء التي تُزين الشجرة فسجّل سعر الشريط منها 10$، فيما تراوح سعر النجمة 4$، أما أسعار الطابات الملونة فتختلف بحسب اختلاف حجمها، إذ إنّ العبلة التي تتضمن كُرتَين ملوّنتَين مثلاً، سجّلت تقريباً 100 ألف ليرة لبنانيّة كحدٍّ أدنى.


"الحركة بركة"، ولكن في لبنان لا حركة ولا بركة حتّى اللحظة، إذ يحلّ العيد هذا العام أيضاً مثقلاً بالهموم المعيشيّة الكثيرة الّتي تزداد حدّتها يوماً بعد يوم، والتي يرزح تحتها جزء من المجتمع اللبنانيّ.


ولكن في المقابل، لا ننكر أنّ عدداً من المواطنين لا يزال مُتمسّكاً بالحياة، ويأمل في أن تعودَ أيام العزّ الآفلة.