أغاثي ديماريس

العقوبات ضدّ روسيا فاعلة

7 كانون الأول 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ونائب الرئيس جوزيب بوريل يعلنون عن عقوبات جديدة | 28 أيلول 2022

دارت نقاشات غير محدودة عن فاعلية العقوبات المفروضة على روسيا. يعتبر السياسيون اليمينيون واليساريون المتطرفون، الذين يُعبّرون تقليدياً عن مواقف قريبة من موسكو، تلك العقوبات غير فاعلة ومؤذية للأوروبيين حصراً.

برأي زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا، مارين لوبان، تبدو تلك العقوبات «غير نافعة إلا لزيادة معاناة الأوروبيين». وفي ألمانيا، لا يتبنّى حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني هذا الموقف فحسب، بل يُكرّره أيضاً سياسيون يساريون بارزون من أمثال ساهرا واجنكنخت، فقد قالت هذه الأخيرة حديثاً: «العقوبات لا تؤذي روسيا، بل تؤذينا نحن». من وجهة نظر هذا الفريق المقرّب من الكرملين، لم تنعكس العقوبات سلباً على الاقتصاد الروسي، حتى أنّ هذا الاقتصاد بدأ يزدهر في ظل تحليق أسعار الطاقة. كذلك يظن آخرون، وهو فريق لا يوافق على مواقف موسكو بالضرورة، أن العقوبات فشلت لأنها لم تمنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من تصعيد اعتداءاته ضد أوكرانيا.

هذا الخطاب يخدم مصالح الكرملين. مع اقتراب فصل الشتاء، يراهن بوتين على زيادة الاستياء من العقوبات قريباً. لكن تكشف البيانات أن المعسكر الذي يجاهر بعدم فاعلية العقوبات مخطئ: بعد تسعة أشهر فقط على فرض أول مجموعة من العقوبات غداة بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، في 24 شباط، بدأت هذه الحملة تؤثر في قدرة موسكو على خوض الحرب. إنها بداية التداعيات المتوقعة، إذ يُفترض أن تزيد فاعلية العقوبات مع مرور الوقت.

تستعمل الدول الغربية العقوبات لتوجيه رسالة معيّنة إلى الكرملين: أوروبا والولايات المتحدة تقفان إلى جانب أوكرانيا. هذا الهدف تَحقّق على أكمل وجه، فقد أثبت التنسيق العابر للأطلسي بشأن العقوبات قوته في الأشهر التسعة الماضية، ولم تنشأ إلا خلافات عابرة بين واشنطن والعواصم الأوروبية.

يُعتبر توجيه هذا النوع من الرسائل الدبلوماسية بداية إيجابية، لكن يتعلق الهدف الأساسي للعقوبات بإضعاف القدرة الروسية على شنّ الحروب. تعطي التدابير المفروضة المفعول المنشود في هذا المجال أيضاً. رغم مزاعم الكرملين، يواجه الاقتصاد الروسي ركوداً حاداً بسبب العقوبات.

لإنكار شفافية الغرب حول نجاح العقوبات، امتنع الكرملين عن نشر أي إحصاءات اقتصادية. لكن تعكس البيانات المتاحة وضعاً قاتماً. في تشرين الأول، أصبح الناتج المحلي الإجمالي الروسي أقل مما كان عليه في الشهر نفسه من العام 2021 بنسبة 4.4%. كذلك، أصبح الإنتاج الصناعي، بما في ذلك استخراج النفط والغاز، أقل مما كان عليه في العام 2021 بنسبة 3% تقريباً. تراجعت تجارة التجزئة أيضاً بنسبة 10% سنوياً، ما يؤكد تداعيات ارتفاع التضخم. في غضون ذلك، تشير بيانات قطاع السيارات إلى وضعٍ مقلق، علماً أنه من أبرز القطاعات التي تؤثر على سلامة الاقتصاد في روسيا وبلدان كثيرة أخرى: انخفض إنتاج شركات السيارات الروسية بنسبة 64%، مقارنةً بالعام 2021، بسبب تراجع الطلب والنقص في القطع المستوردة. لم يكن شهر تشرين الأول استثناءً على القاعدة، فقد أصبحت البيانات مريعة على مر الأشهر منذ نيسان الماضي، ولا يشهد الوضع أي تحسّن مع مرور الوقت. حتى أن الظروف بدأت تتدهور بعد إعلان التعبئة في أواخر أيلول.

على وقع هذا الوضع الاقتصادي الصعب، يدرك الكرملين أن الاستقرار الاجتماعي أصبح على المحك. يعتبر بوتين الاستياء الشعبي تهديداً على صموده الشخصي. لكن يعني تدهور الوضع الاقتصادي أن الميزانية الروسية أصبحت في حالة حرجة أيضاً. إنه وضع غير مألوف بالنسبة إلى دولة مُصَدّرة للطاقة إذا كانت أسعار السلع تبلغ مستويات قياسية. تنذر هذه الظروف باقتراب مشاكل أخرى: خلال الأشهر المقبلة، يجب أن تحلّ موسكو معادلة مستحيلة لتمويل الحرب في أوكرانيا، تزامناً مع إبقاء الإعانات الاجتماعية كبيرة بما يكفي لتجنب الاضطرابات. لا يزال الكرملين يملك موارد احتياطية من صندوق الثروة السيادي تحديداً. لكن لا مفرّ من استنزاف هذه الموارد في مرحلة معينة إذا لم تُعد تعبئتها. تتكل الحكومة الروسية على الاحتياطيات منذ الآن.

يتجاوز نطاق العقوبات الغربية المجال الاقتصادي ويشمل القطاع التكنولوجي أيضاً. تملك الولايات المتحدة ورقة رابحة في هذا المجال بالذات، إذ ترتكز جميع أشباه الموصلات المتقدمة في المعدات الإلكترونية والعسكرية على مهارات الشركات الأميركية. منذ إطلاق الغزو الروسي، بدأت واشنطن تفرض قيوداً تصديرية لمنع حصول روسيا على الرقائق الدقيقة. إنها مشكلة مُلحّة بالنسبة إلى موسكو، لأن الصواريخ الروسية مليئة بأشباه الموصلات التي يعجز البلد عن تصنيعها بنفسه. بعد تراجع واردات الرقائق الدقيقة بنسبة 90%، يحاول الكرملين إنشاء شبكات لتهريب أشباه الموصلات بأي ثمن. لا يمكن التحايل على العقوبات بشكل عام، لكن لن يكون أي خرق محتمل كافياً كي تعيد روسيا ملء مخزونها الصاروخي، لا سيما إذا استمرت الحرب بهذا الإيقاع المحتدم في الأشهر المقبلة.

يتعلق الهدف الأخير من العقوبات بخنق الاقتصاد الروسي ببطء على المدى الطويل. تسعى واشنطن وبروكسل إلى تحقيق هذا الهدف عبر حرمان شركات النفط والغاز الروسية من أموال الغرب وتقنياته. تعتبر موسكو هذه المساعي تهديداً وجودياً آخر، فقد أصبحت حقول النفط والغاز الروسية على طريق الاستنزاف، وتقع الاحتياطيات الجديدة والقابلة للاستكشاف في المحيط المتجمّد الشمالي. يتطلب تطوير هذه الحقول استعمال التكنولوجيا الغربية المتطورة (لا يمكن تأمينها في هذه الظروف) وكميات طائلة من الأموال (لم تعد موجودة). تعود العقوبات المفروضة على إنتاج الطاقة الروسية إلى العام 2014، حين أقدمت روسيا على ضم شبه جزيرة القرم بطريقة غير شرعية، وقد لا تعطي مفعولها قبل مرور عقود. وعندما يتّضح هذا المفعول، سيتبيّن أن هذه العقوبات هي الأسوأ على روسيا نظراً إلى اتكال الاقتصاد والإيرادات المالية على استخراج النفط والغاز.

من المنطقي أن نتوقع تدهور أوضاع موسكو في المراحل المقبلة. بدأت أسعار الطاقة تتراجع منذ فترة، وأصبحت أسعار النفط في الوقت الراهن أقل مما كانت عليه في بداية الحرب، ومن المتوقع أن تنخفض الأسعار بدرجة إضافية في العام 2023 تزامناً مع تباطؤ الاقتصاد العالمي. بدءاً من السنة المقبلة، سيوقف الاتحاد الأوروبي استيراد النفط الروسي. في الوقت نفسه، أساءت روسيا إلى نفسها حين قررت وقف تصدير معظم كميات الغاز إلى أوروبا، فحرمت الكرملين من حبل نجاة مالي. يتطلب تغيير وجهة صادرات الغاز إلى الصين سنوات عدة واستثمارات ضخمة في البنى التحتية الجديدة، لأن معظم خطوط أنابيب الغاز الروسية مُصمّمة لخدمة أوروبا. يمكن حل هذه المشكلة عبر بناء خطوط أنابيب جديدة تصل إلى الصين، لكن لا تبدو بكين مستعجلة لتنفيذ هذه الخطط. يصبّ الوقت في مصلحة الصين، إذ يدرك البلد أنه سيتمكن من انتزاع تنازلات مالية إضافية من الكرملين الذي يزداد يأساً مع مرور الوقت.

من سوء حظ بوتين، لم تفرض الدول الغربية بعد جميع أنواع العقوبات المحتملة، فهي تستطيع اللجوء إلى التدابير الثلاثة التي استعملتها لفرض العقوبات على إيران. قد تقرر واشنطن وبروكسل مثلاً سحب جميع البنوك الروسية من نظام «سويفت»، ما يؤدي إلى عزل البلد مالياً. كذلك، قد تمنع الولايات المتحدة روسيا من استعمال الدولار الأميركي، فتزيد بذلك تعقيدات تصدير الطاقة. أما أقوى خيار محتمل، فهو يتعلق بالعقوبات الأميركية الثانوية التي تجبر جميع الشركات، سواء أكانت أجنبية أم محلية، على الاختيار بين السوق الروسية أو الأميركية. نتيجةً لذلك، سيصبح شراء إمدادات النفط والغاز الروسية غير قانوني حول العالم، فيتضرر وضع الكرملين المالي بدرجة خطيرة. بعبارة أخرى، لا تعطي العقوبات المفروضة على روسيا النتائج المنشودة فحسب، بل إن الكرملين لم يواجه أسوأ تداعياتها بعد.


MISS 3