محمد دهشة

الباحث علي مزرعاني يجمع رسوم كاريكاتور الفنان نبيل قدوح في كتاب

10 كانون الأول 2022

02 : 00

من رسومات الفنان نبيل قدوح الكاريكاتوريّة

صدر للباحث اللبناني علي مزرعاني كتاب جديد عن رسّام الكاريكاتور الفنان نبيل قدوح يجمع فيه رسوماته الكاريكاتوريّة اليومية وملصقاته التعبيريّة، وأغلفة الكتب، والروزنامات، والإعلانات، بعدما صال وجال ردحاً من الزمن، متبختراً بريشته التي تحوَّلت توقيعاً له من دون اضطراره إلى وسم العمل باسمه صراحة. هو الذي كان يكتب "نبيل قدوح" كتوقيع له، أو "نبيل" في حالات ثانية، كما وقّع بحرف اسمه الأول نون "ن" في أوقات كثيرة.

ويضمّ الكتاب جانباً من رسومات الفنان قدوح في الحقبة بين العام 1968 أي بداياته لغاية العام 1981 حيث رسم في صحف الهدف والسفير وبيروت والوطن، كذلك في جريدة الأنباء الكويتية. وقد صدر عن دار"الفرات" ويوقعه الفنان بتاريخ 9 كانون الأول الجاري في معرض الكتاب بين الساعة الرابعة والسادسة مساء.

والفنان قدوح يقف بين لطف شخصيّته، وقوّة خطوطه الحادّة، منجذباً إلى حبره مرّة، ليعود إلى تكوينه النفسيّ، مرّة ثانية، فكان أن قضى جلّ تجربته بين البينين، حادّاً وليّناً مثل لاعب سيرك على حبل طويل. وله خصوصيّة الهويّة، وغزارة الإنتاج، بعدما ملأ يوميّاتنا برسوماته الكاريكاتوريّة، وشخصيّاته الكارتونيّة، والملصقات التعبيريّة، وأغلفة الكتب، والروزنامات، والإعلانات، وربّما علب السلع، والثياب.

تقنيّاً، لنبيل قدوح مقدرة عالية على التحكّم في الألوان المائيّة، تحديداً الشفّافة منها، وحين يضطرّ إلى تلوين المساحات الكبيرة، يلجأ إلى الحبر الصينيّ الذي يلبّيه، ثمّ يستغلّه في عمليّة البَخّ، أو الرَّشّ، ليولّد من الرذاذ طبقات لونيّة ناعمة، خادعة للنظر، إذ إنّه يعطيك انطباعاً بمزج تلك الألوان، بينما عينك هي التي تمزجها!

ولنبيل قدوح ميزة الانتماء إلى فضاءات الرسم، انسجاماً مع كينونته الفنّيّة الخاصّة، وهو ما يفسّر عمله في مؤسّسات مختلفة الإيديولوجيّات، ولا نقول المتناقضة، فهو رسّام تقاطع مع القوميّين العرب، واليساريّين، ثمّ تلك التوليفة التي مزجت العلمانيّة بالدين، غير أنّه لم يمجّد هذا ولا ذاك.

لكن، وعلى الرغم من فرادته، لم يكن قدوح نرجسيّاً، كما هو حال معظم من يشتغلون في الحقول الإبداعيّة، وهذه علامة ضدّه وليست معه، إذ لم يعمل نبيل قدوح على إصدارات تجمع أعماله، أو ألبومات تؤرّخ لمساره، كما كان شحيحاً في إعطاء المقابلات، مؤثراً التعبير بالحبر واللّون على الحنجرة واللسان، ونحن نعرف أنّ لتجربته آفاقاً لبنانيّة، وعربيّة، وعالميّة، في أزمنة حارّة، مشتعلة، فيها نقاشات حول الاتجاهات، والحداثة، والثورة، والتغيير. أجل نبيل قدوح كان هناك، يدلي بدلوه، ويمشي من دون أن يدوّن.

يرصد الألبوم التوثيقيّ جزءاً بسيطاً من آلاف الأعمال التي خطّتها أصابع نبيل، لكنّ المؤرخ علي مزرعاني، فضّل إشعال شمعة على الغرق في العتمة التي تحجبنا عن ذواتنا، فلا ننتبه، وإن كان هناك من تعريف يختصر فنّان الكاريكاتور، فهو أنّه إنسان "منتبه".

ولهذا الألبوم خصوصيّة رصد مرحلة غير معروفة سوى لبعض من عايشوا وعاصروا تلك المرحلة من الحراك الإعلاميّ الذي شهدته بيروت، ذات ثورة، وذات نهضة، وذات صراع، فكأنّ في إعادة إحياء تلك الرسومات، عمليّة حفر لزمن بأكمله. ورسومات هذا الكتاب خير منطلق لكلّ ساعٍ لفهم رأس هذا الرسام، ورأس ريشته المغمّسة بالحبر والتعب والشغف والحب.


MISS 3