وليد شقير

"قبلة الموت" وتحضير الأرواح

12 كانون الأول 2022

02 : 00

يلحّ السياسيون اللبنانيون على السفراء والدبلوماسيين الأجانب والعرب، وعلى المسؤولين الغربيين المتابعين لملف لبنان في العواصم المتعددة، لانتزاع موقف أو اسم يفضلونه لرئاسة الجمهورية.

يشمل هذا الإلحاح اللبناني الدبلوماسيين الأميركيين والفرنسيين وسائر السفراء العرب، في وقت يتجنّب هؤلاء الإفصاح عمّن يعتبرونه المفضّل لديهم، أو من يرشحون، في مقابل القناعة عند أكثر اللبنانيين بأن اسم الرئيس المقبل لن يأتي إلّا بقرار خارجي ونتيجة تسوية خارجية.

وعلى صحّة هذه القناعة اللبنانية نتيجة التجارب السابقة، فإنهم يلقون الصدّ والرفض الواضحين والصريحين من هؤلاء الدبلوماسيين، الذين يفضّلون هذه المرة أكثر من أي مرة عدم إقحام أنفسهم في تسمية الرئيس العتيد خشية من حرق أيّ اسم، أو مخافة أن يأتي اختيارهم مخيّباً للآمال لاحقاً وخلال السنوات الست التي سيمضيها هذا الرئيس في قصر بعبدا، فيطالهم اللوم، مثلما حصل حين شجّع البعض على انتخاب العماد ميشال عون، ثم اكتشفوا أن الأمر تحوّل إلى كارثة.

بعض الدبلوماسيين أو المسؤولين في بعض العواصم لا يخفون تفضيلاتهم أمام أصدقاء لبنانيين، يلتقونهم عند سفر هؤلاء اللبنانيين إلى الدول التي يتبوّأون فيها مسؤوليات فاعلة، يفصحون عن تفضيلهم هذا أو ذاك، حين يناقشهم الزائر اللبناني بالخيارات المطروحة، إمّا دفاعاً عن أحد المرشحين أو انتقاداً لآخر. لكن هؤلاء المسؤولين الأجانب لا يلبثون أن يضيفوا أنّ انحيازهم لمرشح معيّن هو تفضيل شخصي، وليس اقتراحاً من دولتهم أو من رؤسائهم، حتى لا يورّطوا أنفسهم بأمر تقول قيادتهم إنه شأن اللبنانيين وواجبهم أن ينتخبوا رئيساً.

يؤثر الدبلوماسيون الفاعلون، ومنهم الأميركيون والفرنسيون، الذين يخضعون لأسئلة السياسيين أو النواب اللبنانيين عن موقفهم من الاستحقاق الرئاسي واستمرار الشغور الرئاسي، تعداد مواصفات الرئيس المقبل. وإذا تشعّب النقاش معهم يسألون عن رأي الكتل أو الزعامات السياسية بهذا الاسم أو ذاك ويستفسرون عن حظوظه، وذلك من أجل تجميع المعلومات. بعضهم يقول إن استفساره خطوة طبيعية لا تعني الإيحاء بالاسم، بل هو محاولة لمعرفة الموقف منه بهدف تحضير تصوّر حول كيفية تعامله مع هذا الشخص أو ذاك في حال جرى انتخابه لا أكثر.

يهمنا ملء الفراغ برئيس مواصفاته التالية:

- أن يكون قادراً على التحاور مع الفرقاء اللبنانيين من أجل التوصّل إلى حد أدنى من التوافق على المرحلة المقبلة، بالتعاون مع سائر الفرقاء.

- أن يعمل على تنفيذ الإصلاحات من أجل الدفع نحو إنجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وإنقاذ الوضع الاقتصادي وتصحيح عملية إدارة الأزمة. وبالتالي ألا يكون مُتهماً بالفساد.

- أن يكون محاوراً مع سائر الدول التي تعتبر لبنان مهماً لها وتريد مساعدته، وكذلك سائر المنظمات المالية الدولية للتعاون معها، وبالتالي ألا يكون خاضعاً للعقوبات.

يتشاطر بعض السياسيين اللبنانيين حين يسمعون هذه المواصفات، فيسألون الدبلوماسيين عمّن يعتقدون أنه تنطبق عليه المواصفات المذكورة. يعتبر الدبلوماسيون السؤال محاولة للإيقاع بهم، ويعلّقون بشيء من السخرية على أنها محاولة «جميلة» من محدثيهم: «لن نتلفظ بأي اسم نفضّله. ستكون بالنسبة إليه مثل قبلة الموت، لحرقه أو للتصويب عليه وللحملات بأنّ دولتنا تتدخل في الاستحقاق الرئاسي. لذلك لا مجال لأن نقول من هو المفضل. الأمر متروك لكم».

ربما لهذا السبب يلجأ بعض الدول الكبرى إلى غيرها، في محاولة تسويق بعض المرشحين، وفي مقدمهم رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية أو قائد الجيش العماد جوزاف عون، بالأسماء، وحتى لا تلقى الخيبة في حال لم ينجح هذا التسويق، كما هو حاصل بالنسبة إلى تولي الجانب القطري بذل الجهود البعيدة من الأضواء لإقناع بعض الفرقاء، ومنهم رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بقائد الجيش.

صحيح أنّ المعطيات تفيد بأنّ في بعض دوائر القرار الغربي، الفرنسي مثلاً، حيث لدى بعض المتابعين للشأن اللبناني هناك تفضيل لفرنجية، في وقت هناك حيرة عند البعض الآخر بين المرشحين، وأنّ لدى بعض الجهات الأميركية من يتحدث بإيجابية عن قائد الجيش، إلا أنّ لا شيء يدعو مراكز القرار في هذه الدول إلى صوغ اتفاق على أي اسم سواء بين الدول المعنية، أو بين الفرقاء اللبنانيين. ومن نافل القول تكرار الانطباع بأنّ آخر هموم واشنطن السعي لاختيار رئيس للبنان. وصحيح أنّ باريس استقبلت مرشحين آخرين وتداولت معهم بالاستحقاق، لكن ليس هناك أي مؤشر إلى أنها قادرة على إحداث تقارب بين الفرقاء اللبنانيين الذين تتباعد مواقفهم كل يوم أكثر من الذي سبق.

يدفع ذلك أحد السياسيين المطلعين على مداولات غربلة المرشحين إلى القول إنها أشبه بجلسات تحضير الأرواح، طالما لم تنضج الظروف الإقليمية بعد.


MISS 3