ريتا ابراهيم فريد

المونديال والتشجيع المبالغ فيه...تأكيدٌ للذات أم بحثٌ عن إنتماء؟

13 كانون الأول 2022

02 : 01

لا شكّ في أنّ مباريات كأس العالم لكرة القدم تشغل ملايين المتابعين حول العالم اليوم. ومعظمهم وجد في هذا الحدث الذي يطلّ كل أربع سنوات متنفّساً له وخروجاً عن المألوف، خصوصاً من لا يشاهد مباريات كرة القدم بشكل مستمرّ طوال العام، ولا يتابع أخبار الفرق والدوريات والبطولات. وإذ يمكن تبرير إندفاع الجماهير لتشجيع منتخبات بلادها من زاوية الإنتماء الوطني، يبدو لافتاً في المقابل حماس البعض لتشجيع منتخبات معيّنة في ظلّ غياب أيّ رابط ثقافي أو عقائدي أو عرقي أو حتى ديني بين المشجّع وبين الفريق الذي يتحمّس له. هذا الحماس الذي يصل أحياناً حدّ الهوس بتزيين السيارات والمنازل بالأعلام، ويترجم بغضب أو بحزن شديد وبكاء وصراخ عند الخسارة. وقد يطال العلاقات الأسرية أو بين الأصدقاء ويتسبّب بخلافات بين مشجّعي الفرق المختلفة.  



في هذا الإطار، يوضح أستاذ العلوم الإجتماعية الدكتور الياس مطر أنّ درجة الاندفاع أو الحزن أو الفرح الشديد إنّما تعود الى الشخصيات الفردية، أكثر مما تعود الى التربية أو الى القواعد المجتمعية، علماً أنّ المجتمع بشكلٍ عام يفضّل التوازن في العواطف على حساب المبالغة. وعن أسباب هذه الظاهرة، يشير الى أنّ ثمّة أكثر من سبب قد يدفع بالفرد نحو سلوكيات مبالغ فيها: أولاً يمكن أن يعود ذلك الى دوافع خاصّة تعكس التركيبة النفسية لكلّ إنسان، واستعداده للانحياز نحو قضية معيّنة.


كما يمكن أيضاً أن يأخذ ذلك بُعداً إجتماعياً، لأنّ المجتمع عموماً يحثّنا على الاندفاع نحو قضايا وطنية أو فكرية أو إيديولوجية أو دينية أو سياسية وحتى رياضية، وهذه القضايا تدفع البعض أحياناً الى حماسٍ مبالغ فيه. كما أنّ المجتمع دعا الى تكتّل البشر للاحتفال من وقت الى آخر، ما يؤدّي الى تجييشٍ لعواطفهم، حيث أنّ التواجد مع الآخرين يتيح للجماعة أن تكون متشابكة ومتعاونة أكثر.




د. الياس مطر


سبب آخر يتحدّث عنه الدكتور مطر، هو "أثر الحشد" على الأفراد. لأنّ التواجد ضمن تجمّع كبير سيترك حتماً أثره على الفرد، حيث أنّ تفاعله مع المباراة حين يشاهدها بمفرده في المنزل سيختلف عن مشاهدته لها مع بضعة أشخاص، ويختلف أكثر إذا كان يشاهدها مع آلاف المشجّعين على المدّرجات. إذاً الهوس في هذه الحالة يصبح ظاهرة جماعية نفسية، حيث أنّ الحشود بإمكانها أن تخلق داخل الفرد مشاعر وعواطف قد لا يشعر بها حين يكون بمفرده.



من جهة أخرى، يعتبر الدكتور مطر أنّ المونديال كما الأعياد والاحتفالات، هو فترة مؤقّتة لإثارة العواطف الجماعية التي تقوّي التماسك الإجتماعي. وهُنا لا بدّ من الإشارة الى أنّ كرة القدم تقوّي أيضاً التماسك العالمي خلال هذه الفترة التي تطلّ كل أربع سنوات. فالمونديال هو احتفال عالمي يشاهده حوالى ملياري شخص حول العالم، ويعكس بالتالي إحدى تجسيدات العولمة. كما أنّ التشارك في تشجيع الفرق لهذا الحدث الرياضي يخلق نوعاً من الوحدة العالمية بين البشر من مختلف البلدان والأعراق والذهنيات والثقافات.



لبنانيون متأثرون بخسارة البرازيل



الحاجة الى تثبيت الشخصية الفردية


في السياق ذاته، نلاحظ أنّ بعض الذين يتحيّزون الى فريق معيّن يدافعون بشراسة عنه وكأنّ الأمر بات واجباً عليهم، حتى أنّ بعضهم يتبنّاه ويحوّله الى قضيّة شخصية. هذا ويستعين آخرون بضمير الجمع حين يتحدّثون عن الفريق الذي يشجّعونه ويصبحون ناطقين باسمه، فيقولون مثلاً: "نحن البرازيليون أو نحن الألمان". ويستبعد الدكتور مطر أن تعكس هذه الظاهرة بحثاً عن الإنتماء، لافتاً الى أنّها حاجة نفسية الى تثبيت الشخصية الفردية، التي قد تشكّل بدورها رابطاً آحادياً مع من يشجّعون الفريق نفسه. وبشكل عام، هي تأكيد على الحضور والذات عبر تبنّي رأي وموقف والدفاع عنه، ويمكن لهذه الظاهرة أن تجسّد أيضاً حاجة نفسية من باب تنفيس العدائية أو الغضب أو الإحتقان.



مشجع يبكي على خسارة ألمانيا في مونديال قطر



تصرّفات إستثنائية منحرفة


من جهة أخرى، لطالما سمعنا أخباراً عن اشتباكات بين الجمهور على المدرّجات، أو خلافات حول تشجيع فريق معيّن تحوّلت الى شجار وتضارب، حيث يشعر الطرفان وكأنّهما في معركة. في هذا الإطار يعتبر الدكتور مطر أنّ المباريات الرياضية هي شكل نبيل من أشكال المنافسة، لهذا نستعمل تعبير "الروح الرياضية" التي تحدّ من التصرّفات العدائية وتمنعها من أن تنتقل الى الملاعب. ويتابع: "أمّا الجماعات التي توسّع دائرة منافستها الرياضية نحو العدوانية واللجوء الى العنف أو التكسير أو الشجار مع مشجّعي الفرق الأخرى، إنّما هي جماعات مريضة خرجت عن الأطر التي ينادي بها المجتمع، وباتت تصرّفاتها إستثنائية يمكن أن تصبّ في خانة الإنحراف. وبالتالي فهي تستحقّ الملاحقة القانونية".



الأعلام البرازيلية تغطي أحد الأحياء اللبنانية