مايا الخوري

لارا سابا: "ع مفرق طريق" دعوة إلى الطبيعة والبساطة

14 كانون الأول 2022

02 : 01

بعدما شارك في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي يحطّ الفيلم الكوميدي العائلي "ع مفرق طريق" (إخراج لارا سابا، كتابة جوزفين حبشي، إنتاج "واكاندا فيلمز" وART بدعم من المركز الوطني الفرنسي للسينما (CNC)، وتوزيع شركة "سيدرز آرت بروداكشن") رحاله في الصالات اللبنانية ليدعو الناس إلى التصالح مع الطبيعة والذات والعودة إلى قيم الأرض بأسلوب طريف بعيد عن الإبتذال أو الوعظ. عن مشاركة الفيلم في المهرجان العربي الدولي واختيار الممثلين وتفاصيل التصوير تتحدث المخرجة لارا سابا.

ما أهمية إدراج فيلم "ع مفرق طريق" ضمن فئة "روائع عربية" في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؟

عادة لا مشاركة للأفلام الكوميدية في المهرجان وخصوصاً اللبنانية، لذا مجرّد دعوتنا إلى هناك، دليل على طرحه قضايا وأبعاداً أخرى، مختلفة عن الكوميديا المجرّدة. أعتبر هذه المشاركة، بمثابة إعتراف من القيّمين على المهرجان بأنني أتممت عملي الإخراجي بشكل جميل، وأنه فيلم يُمتّع المشاهد بقصة إنسيابية من دون شوائب.

كيف تفاعل جمهور المهرجان مع طروحات الفيلم؟

إستمعت إلى آراء الجمهور المغربي والسعودي المشارك في المهرجان كما الى آراء اللبنانيين المغتربين، فعبّروا جميعاً عن مدى سرورهم لرؤية الطبيعة اللبنانية والجذور التي اشتاقوا إليها. كانت تعليقات مؤثرة جداً ومفعمة بالحبّ والحنين والأحاسيس خصوصاً تجاه الصورة التي قدّمها الفيلم عن لبنان بطبيعته وقيمه والفرح الموجود في القرى وسبل العيش فيها.

رغم انسيابية القصة وبساطتها، فهي تحوي رسائل جوهرية كثيرة، كيف ترجمت الصورة هذه التفاصيل؟

تتميّز جوزفين حبشي بروح مرحة، فكتبت سيناريو يشبهها، لكنني أضفت بعض القضايا التي تحرّكني. أضأنا من خلال شخصية "سيلين" التي أدّتها الممثلة "ربى زعرور" على الليبرالية المتوحّشة التي تغذّي الجشع، والمجتمع الإستهلاكي، الذي قررت التخلّي عنه والتوجّه إلى وادي قنّوبين بحثاً عن طاقة تغيّر مسار حياتها. كما أضأنا على مشكلات المزارعين في تصريف إنتاجهم وسعيهم إلى إيجاد حلول شخصية. من جهة أخرى، أخرجت السيناريو من الأماكن المغلقة أي كنف الدير، إلى الطبيعة لأن النص يتحدث عن العودة إلى الذات والإتحاد بالأرض. فوجبت رؤية عناصر الطبيعة والأرض والمواسم بالمرئي كوننا نعيش بعيداً عنها في المدينة. على صعيد آخر، سعينا مدير التصوير جوني أبي فارس وأنا إلى المحافظة على خصوصية المكان وروحانيته لجهة الإضاءة والديكور، للإبقاء على غموضه وسحره.

كيف تقيّمين أول نص سينمائي لحبشي، وهل أفسح ذلك في المجال أمامك للتدخّل وإجراء التعديلات؟

ينفّذ بعض المخرجين المنفذين فكرة النصّ كما هي من دون أي تعديل، إنما من يملك رؤية، لا يمكنه ذلك. أركّز على التعاون ما بين المخرج والكاتب، لأنه لا يمكن تقديم فيلم متكامل عبر فرض سيناريو منزل لا يجوز التعديل فيه. لقد حققنا عملاً مشتركاً باحترام متبادل من دون أي تعدٍ على خصوصيّة عمل كل منّا. يرتكز الفيلم السينمائي في النهاية على العمل الجماعي الذي يقوده نحو النجاح.

لفتتنا مشاركة ممثلين قديرين في هذا الفيلم بأدوار متفاوتة الأهمية، وفق أي معيار اختيروا؟

تصوّرت الكاتبة جوزفين حبشي الممثلة بيتي توتل في دور الأخت ماري برنارد، فكتبت شخصية تناسبها، ما أخافني قليلاً، لكننا توتل وأنا رفعنا التحدي لتقديم هذا الدور الذي نُفّذ بشكل رائع.

أما بالنسبة إلى الممثلين الآخرين، فقد تواصلت معهم وتحدثنا عن أدوارهم وتعاونّا. إخترت ممثلين من الطراز الرفيع لأن ثمة شعرة تفصل ما بين الشخصيات الجميلة والكاريكاتور في الأدوار الكوميدية. قد أستعين بممثلين صاعدين أو غير متمرّسين في الدراما، إنما يجب التعاون مع أقوياء لتأدية أدوار كوميدية بكل جدية وحرفية.

ألا تعتبرين أن التركيز على شخصية الممثلة "بيتي توتل" ظالم بحق الراهبات الأخريات خصوصاً أنهنّ ممثلات قديرات؟

لربما كانت الممثلة جوليا قصّار الأقل ظلماً من الأخريات، لأنها تؤدي دور رئيسة الدير وعمّة البطلة. أمّا شخصية "بيتي توتل" فهي محور القصة، لأنها راهبة تعتبر نفسها فنانة محبّة للتمثيل لذا دعت الشاب إلى الدير ليتطوّر الفيلم بفضلها.

حاولنا تحقيق توازن معيّن مع الممثلات الأخريات، عبر إضافة بعض التفاصيل إلى أدوارهنّ، مثل رقص "ميرنا مكرزل" للتانغو وترتيل "سينتيا كرم". أعتبر أن الراهبات الأربع بالأهمية نفسها لذا وُجب توافر هذه المساحة لهنّ. ربما لم نتمكّن من خلق توازن تامّ لأن دور "بيتي" مفصلي دراماتيكياً في الفيلم إنما أظنّ أنه أعطيت مساحة لكل منهنّ، ومثلما أعطين دورهنّ حقه، أعطينا بدورنا كلّاً منهنّ حقّها في التصوير.

تدور أحداث الفيلم في كنف ديرٍ في وادي قنّوبين، أي تحديات واجهتم خصوصاً لجهة المحافظة على خصوصية المكان وروحانيته؟

أطلعنا المركز الكاثوليكي للإعلام وبكركي على مضمون السيناريو، فساهما في إمكانية التصوير في دير مار إليشاع الذي هو في الأساس متحف متميّز بجماله وروحانيته وخالٍ من الرهبان، فكان مناسباً للإستقرار فيه على عكس دير سيدة قنوّبين الذي يستقبل ضيوفاً للرياضات الروحية خارج الحصن، إنما من الصعب لوجستياً الإستقرار فيه للتصوير دون إقلاق راحة سكّانه. لذا إعتمدنا متحف مار إليشاع، حيث أزحنا محتوياته لبناء ديكور خاصٍ بالفيلم. وطالما تتحدث القصة عن 4 راهبات، كان لا بدّ من مرشد ديني يطلعنا على قواعد حياة الراهبات.

عكست صورة الفيلم حبّك للطبيعة وتعلّقك بالأرض، فكيف تصفين علاقتك بهما؟

أحبّ هذه الأرض وهذا المكان بالذات، لأنه يعكس طاقة إيجابية بغض النظر عن جماله. رغم أنني أتنقل كثيراً خارج لبنان، أرغب دائماً في الإلتصاق بهذه الأرض، لأنه كلما علا البنيان إنفصلنا تدريجياً عنها، بينما أعتبر أن الإتصال بها والبساطة في الحياة وتقدير الأشياء الحقيقية والجميلة هو الأساس.

يدعو هذا الفيلم إلى العودة إلى الأرض والطبيعة في ظلّ تدمير ممنهج للكوكب الذي نعيش فيه ولكل ما يعكس جمالاً فيه.






اللافت أنه صُوّر في فترة انتشار كوفيد والإقفال العام وعودة كثيرين إلى القرى والأرض؟

بسبب كوفيد و4 آب، ترك كثيرون من معارفي المدينة عائدين إلى القرى لأنهم شعروا بضرورة الإهتمام بنفسيتهم وصحّتهم عبر الإتصال بالأرض.

شخصياً، أقرأ منذ مدة، كل ما له علاقة بالإقتصاد والبيئة، حيث يلفت مؤشر النمو في هذا الإطار إلى أنه لا يمكن الإستمرار بالنهج نفسه، لأنه يؤذي الإنسان ويقضي على إنسانيتنا وعلى الكوكب. هناك نوع من الدعوة إلى الحياة الأكثر بساطة واحتضاناً لنفوسنا والطبيعة وحب الذات والآخرين.

ما هي مشاريعك لما بعد انطلاق عرض الفيلم؟

أتمنى تحقيق سيناريو الحلم عبر إيجاد الإنتاج المناسب له. أقضي أجمل أيامي في التصوير الذي أعشقه، لذا لا أبحث عن الإستراحة بعد انتهاء أي عمل.

ألا توجد مشاريع درامية مقبلة؟

لا مشكلة لديّ في تنفيذ عمل درامي شرط أن يكون مشوّقاً بعين سينمائية، وأن يضيف المرئي شيئاً إلى المسموع فلا تكون دراما باهتة. تكمن مشكلتي مع العمل الدرامي في إطالة السيناريو من دون فائدة، لذا أبحث عن عمل يقدّم صورة سينمائية جميلة وتقطيعاً جميلاً يشكّلان إضافة ويأخذان العمل إلى أبعاد أخرى.


MISS 3