نوري آل حمزة

إيران... تطلّعات في استمرار الثورة

20 كانون الأول 2022

02 : 01

تستمرّ تظاهرات إيران في وقت يشهد البلد انقسامات في المؤسسة الحاكمة ناجمة عن التنافس على السلطة لخلافة المرشد علي خامنئي، وهنا يجب أن ننظر الى الحرس الثوري، أي القوة التي تحتكر القرارات الأمنية. ربما يكون من مصلحة الحرس السماح للمجتمع الإيراني بأن يمارس بعض الحريات، بينما يحتفظ بالسيطرة على النظام، وتتسنى له فرصة سحق الحراك القائم. وهكذا، قد يطيل عمر النظام لبضع سنوات، ولكن لا شك في ان النظام فقد شرعيته، لدى الأكثرية الساحقة في إيران، حسب استطلاعات «جامعة الدفاع القومي»، ومؤسسة «إيسبا» لاستطلاع الرأي في طهران.

كما من المرجّح أن يؤدّي استمرار الحراك الثوري ضد النظام، إلى عدم الاستقرار الداخلي، ويلحق الضرر في علاقات إيران الخارجية المتعثرة في تعاطيها مع الدول والمنظمات الدولية، خصوصاً بعد قرار مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إرسال لجنة تقصّي حقائق، إذ رفضت طهران التعاون والسماح بدخول أي لجنة.

بالموازاة، جذب حجم التظاهرات ونطاقها الجغرافي، قدراً كبيراً من الاهتمام والتضامن الدوليين. ومع ذلك أثارت استمرارية التظاهرات تساؤلات حول العواقب السياسية لهذا الحراك المتوسع.

وانطلقت أصوات شاذة هذه الأيام، لكنها لم تحظَ بتأييد شعبي، وعلى سبيل المثال، حين خرج محمد خاتمي قبل أسابيع قائلاً: «من غير الممكن الإطاحة بالنظام، وإسقاطه أمر غير منشود»، واجهه الشارع المنتفض بشكل عنيف ورماه بأقسى العبارات، وتلقّى ردوداً كثيرة من قبل المعارضة والصحافة الفارسية في الخارج.

في الغضون، بدأ النظام بقيادة خامنئي، التواصل من جديد مع الإصلاحيين في طهران، ولهذا نسمع من يطالب بإصلاح شامل لنظام الحكم الحالي في البلاد، حيث يرى في الثيوقراطية الحاكمة التي بلغ عمرها أربعة عقود، أنها لا تمثّل مصالح إيران المتعددة اللغات والأعراق.

وقال مهدي كروبي (أحد قياديي الإصلاحيين)، إنه «لم تعُد نظرية النصر بالرعب مُجدِيةً بالنسبة لهذا الشعب، الذي سئِم الظلم»، مشيراً إلى أنَّ خامنئي «يعزو أيَّ احتجاج إلى الأعداء؛ تمهيداً لقمعه». وردّ الشارع المنتفض على كلام كروبي، ونرى اللجان التنسيقية للتظاهرات والاحتجاجات في البلاد تتحدث عن ضرورة الردّ بالمثل لسياسات النظام «القمعية»، وفي هذا الإطار وقعت أحداث عدّة، منها، اغتيالات طالت ضباطاً في حرس الثورة والشرطة، خَتَمَ منفّذوها عبارة «الرد بالمثل» على تلك الأحداث.

بيد أن دخول الإصلاحيين، مرة أخرى، في أروقة القرار السياسي في ظلّ التظاهرات، سيساهم في تناسق السلطات السياسية، والأجهزة الأمنية في إيران، وسيساعدها على مواصلة قمع الناس، والإلتفاف على دعوات المحتجين المتزايدة لتغيير سياسي كاسح.

ومن جهته، يرى النظام في تنفيذ الإصلاحات، مخاطرة، ستشكل سابقة خطيرة للاستسلام للمطالب التي قد تغذّي الاحتجاجات مستقبلاً.

إلى هذا، ظلّت قوات الأمن، بما في ذلك الشرطة المحلية، وقوات الباسيج، وحرس الثورة، ومحاكم الثورة، متفقة مع آراء خامنئي وأوامره لتبديد الاحتجاجات.

كما يعارض معظم المشرعين والقادة غير المنتخبين في البلاد تقديم الحدّ الأدنى من التنازلات التي يمكن أن ترضي بعض الفئات من المتظاهرين. وإذا ما حصل شيء من هذا القبيل، فسيُحدث تصدعات داخل بيت النخبة الحاكمة في إيران، وتليها انشقاقات تخدم وحدة الشارع الثائر.

إلى ذلك، من المرجح أن تستمر الاحتجاجات، بأشكال مختلفة، في إيران خلال العام المقبل، لكنها قد لا تنجو من حملة قمع شديدة. وسيتوقف تطورها على قرار الإيرانيين في كيفية مواصلة انتفاضتهم في وجه القمع والاعتقالات في الأشهر المقبلة. ولكن حتى لو تلاشت الموجة الحالية من التظاهرات، ستظلّ الأرض الإيرانيّة خصبة للحركات الاجتماعية والسياسية للمطالبة بالتغيير، في أي فرصة.

وسيظل الشارع المنتفض، عبر غربلة السياسيين في المنافي والداخل، حتى يصنع قيادات لهذا الحراك. وستعمل الطاقة الشعبية المدفوعة بالمظالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية المزمنة، وكذلك النضال من أجل استحداث نظام غير متمركز سياسياً، على شاكلة نظام فدرالي، ستظل تعمل على دفع الاحتجاجات، وتصعّب على النظام إخمادها.