عماد موسى

باقي الربع

22 كانون الأول 2022

02 : 00

مع تراجع عجلة الإنتاج التلفزيوني الدرامي، اختار جورج، مهنة جديدة له، وهو من خريجي معهد الفنون في النصف الأول من ثمانينات القرن الماضي، ويعمل كمدير إنتاج: اقتنى بقرتين، لبيع حليبهما ومشتقاته من لبن وأجبان وشنكليش وقريشة وكشك. ثم أضاف إليهما اثنتين أخريين، إلى اهتمامه بـ "قفران" نحل، وفي مواسم الزيتون كان يرأس حضيرتي قطاف. سألته مرة وأنا أحاول التقرّب من عجل حرون إن كان راضياً عما آلت إليه حاله فأجابني: الحديث مع البقر أجدى من أحاديث لا طائل منها وعمل لا جدوى منه.

تربية الأبقار قرار سليم رغم همّ الأعلاف وكلفة المتابعة البيطرية وجشع العجول إن وصلت إلى ضروع أمهاتها. وفي حلقة الأصدقاء من سافر بحثاً عن هدوء ولو قارب الضجر، مستمعاً إلى وشوشات موج ومخاطباً طيور اللقلق التي تجري تمارينها الخاصة على عرض للرقص المعاصر. رقص حر كما الأجنحة. وهناك من سافر لقناعته بأن البلد "ما بينعاش فيه". آخر الصيف حمل زاهر عيلته إلى أميركا، لا بسبب ضيق حال بل بسبب انعدام أفق. في عز الصيف والبحر ارتحل البحّار. بعد فترة اتصلت به حيث يقيم في "جاكسونفيل" (ولاية فلوريدا أو أرض الزهور) لأسأله عن مشاغله فأجابني ضاحكاً: لدي تمساح صديق يزورني يومياً. ظننته يمزح. لكنه أرسل إلي فيديو يظهر فيه وهو يتودد إلى تمساح ويغريه بوجبة غداء شهي.

هذا ما يفعله كل يوم بالإضافة إلى متابعة دروس تؤهله لخوض أحد مجالات الأعمال الحرّة.

وما أفعله أنا كل يوم، عدا الكتابة أو السفر على متن كتاب أو فيلم، هدر أعصابي في بلاد جونيه متنقلاً بين صرّاف آلي وآخر، ومنتظراً كالمتسوّل موعداً مع موظفة بنك لنقل حساب إلى آخر تمهيداً لإقفاله. أو محشوراً في صف من ثلاثة، لإجراء معاملة إبدال رخصة القيادة مستمعاً إلى شتائم متبادلة بين أصحاب الأولويات مجبراً على تحمّل روائح بشرية تقتل فيلاً بأوج فتوته، أو متنقلاً بين سوبر ماركت وآخر، ملاحقاً عروض مساحيق الجلي والأجبان الأقرب بطعمها إلى الكاوتشوك، أو واقفاً أمام صرّاف خلف الغيشيه يسألني بعينين متعبتين شو سامعلنا؟

آخر ما سمعته أن الرئيس السابق العماد ميشال عون شدد أمام مسؤولين تياريين على ضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية يكمل ما بدأه خلال ولايته. تخطى الجنرال ثلاثة أرباع الطريق وباقي الربع. إن تمّ للجنرال ما تمنى، سأكون، وقد اجتزت ثلثي العمر، أمام ثلاثة خيارات: أروّض تماسيح أميركية، أو أقتني عنزتين شاميتين وأبتني قنّاً حضارياً لدجاجاتي الحائرات، أو أتقاعد على شاطئ رملي هادئ كخريف لا ينتهي متابعاً عروض الطيور المهاجرة.


MISS 3