مايا الخوري

لوسيان بو رجيلي لـ"نداء الوطن": السلطة تتحمّل مسؤولية أي نقطة دم في الشارع

23 كانون الثاني 2020

10 : 03

منذ اليوم الأول لإنطلاق الثورة شارك الناشط السياسي والمخرج السينمائي لوسيان بو رجيلي في الساحات موثّقاً عبر هاتفه الخلوي لحظة بلحظة ما يحصل في الشارع مع الثوّار، عن نشاطه الفنّي ورأيه بالثورة، كان لـ"نداء الوطن" حديث شيّق معه:

الوضع السياسي المتأزم منذ سنوات، كان سبباً منطقياً،وفق بو رجيلي، لإنطلاق الثورة، خصوصاً أن السلطة السياسية المنتخبة بعيدة جداً من الشعب ولم تعد تمثّله حقيقة، والدليل على ذلك إرتفاع نسبة المقاطعين للإنتخاب، فضلاً عن الأصوات المخفية بفعل الغش والرشاوى والتلاعب بالنتائج.

ولفت بو رجيلي إلى أن الثوار لا يدعون إلى إسقاط النظام في المطلق، بل إسقاط هذا النظام الطائفي المركّب الفاسد في لبنان. والذي كان يُفترض سقوطه في اتفاق الطائف. وأكّد أنه لا يمكن تحقيق لبنان المتحضّر إلا إذا تم إلغاء الطائفية السياسية.

وقال: "برأيي تأخرت السلطة في تطبيق بند إلغاء الطائفية السياسية لأنه لا يناسبها كسلطة أحزاب إقطاعية، عائلية ومناطقية، لأن هذا النظام الطائفي هو علّة إستمراريتها، فإذا ألغي وانتقلنا إلى نظام مدني عصري جديد عندها لن يكون لتلك الأحزاب دور. مشيراً إلى أن الطائفية لم تعد في نفوس المواطنين لكنها مثبتة في النصوص، لذا يستغل السياسيون لغتها حفاظاً على موقعهم الشعبي".

ولم يخفِ بو رجيلي تعرضه مراراً لاعتداء من قبل القوى الأمنية في الساحات حين كان يصوّر ما يحصل في الشارع. لافتاً إلى أن العنف الممارس من قبل القوى الأمنية هو بأمر من السلطة السياسية لقمع تظاهرات شعب يطالب بحقوقه الدستورية والقانونية، في مقابل من يخالف القانون ويعتدي على الناس ويمارس عنفاً إقتصادياً، أفلا يحق له إذاً أن يغضب؟

وهل الغضب يبرر الشغب؟ قال: "إنها ردّات فعل طبيعية تجاه الذل والعنف الإقتصادي الممارس من قبل سلطة تتعاطى مع الواقع بوقاحة ولامبالاة، لذا لا أحمّل مسؤولية للشعب بما يحصل، خصوصاً أنه بعد مرور 95 يوماً لم يتحمّل أحد من السياسيين المسؤولية ويبادر بالإعلان عن إنتخابات نيابية مبكّرة وتشكيل حكومة إنقاذية موقتة لإنتاج مجلس نيابي يمثّل صوت الشعب. برأيي يُشهد للشعب اللبناني صبره الطويل تجاه معاناته وتأنّيه في ردود فعله ومنحه السلطة فرصاً عدّة للإصلاح، ومحافظته طويلا على سلمية ثورته، إنطلاقــاً من حرصه على الوطن ومــــؤسساته".وهل الإنتخابات المبكّرة ستحقق التغيير المرجو برأيه؟ أجاب: "إذا حصلت في الوقت الحالي سيتحقق تغيير طبيعي كنتيجة لما يحصل، أمّا إذا ماطلوا لعامين سيفسح ذلك في المجال أمام تموضع جديد لمصلحتهم. برأيي تتُرجم ثمار الثورة إنتخابياً في حال تحققت مساواة في التغطية الإعلامية ما بين مرشحي السلطة ومرشحي الشعب، وكانت الإنتخابات شفافة تخضع لرقابة صارمة ومستقلّة ذات صلاحيات محددة منها القدرة على إلغاء ترشّح من يرشي الناس أو يغشّ على الفور، بدلاً من الإنتظار حتى صدور النتائج للطعن والإلتزام بآلية غير منطقية للمحاسبة".

وذكّر بو رجيلي أن القوانين الإصلاحية المقترحة لا تزال في أدراج مجلس النواب والشعب في الشارع يطالب في إقرارها، فإمّا أن يرضخوا ويتنازلوا لحق الشعب في الإنتقال سلمياً إلى النظام الديموقراطي الفعلي غير المقنّع وإمّا ليتحمّلوا التبعات المقبلة.

بو رجيلي الذي تعرّض سابقاً للقمع الرقابي ومنع 3 أعمال فنية له، قال: "للفن دوره في طرح مواضيع أساسية يتفاعل الناس معها. وهو كأي قطاع مهني في البلد، يتأثر بالأحداث واليوميات الإجتماعية. وما الفنانون سوى ضحايا هذه المنظومة الرقابية على الأعمال الفنية وضحايا سلطة تمنع ما لا يناسبها، فيضطر بعضهم إلى ممارسة رقابة ذاتية لئلا يصطدم مع الرقابة. إنما ذلك سيكون خطراً على المدى البعيد، لأن الناس بعد فترة من الزمن لن تفكّر بمردود الرقابة بل ستنسب ما ورد في العمل إلى موقف الفنان". وأسف بو رجيلي إلى الأسلوب القمعي الذي يقيّد الإبداع ويضغط عليه حتى يختنق بدلاً من دعمه لتقوية الصناعة الفنية في لبنان. خصوصاً أن من يصنّف الأعمال سلطة أمنية عسكرية لا تفقه شيئاً في الفنّ، بدلاً من أن تكون سلطة مدنية متخصصة.وقد توقّع بو رجيلي إنتصار الثورة لافتاً إلى أن أي عمل فني مستقبلاً سيتأثر بما حصل ومن ضمنها مشروعه الجديد الذي سيلفت بشكل غير مباشر للأحداث الحالية، مثلما تأثّر حوار فيلمه "غداً العيد" بأحداث العام 2015.



وردّاً عمن يعتبر أنه لا يحقّ للفنان إبداء الرأي السياسي قال: "ما علاقة رجل الأعمال أو المزارع أو المدرّس بالسياسة مثلا"؟ وهل هي مقتصرة على المحامين ورجال القانون فقط؟ من يحق له تحديد المتعاطي في الشأنين السياسي والإجتماعي؟ لقد أدخل السياسيون مفهوماً مغالطاً عن السياسة في لبنان، التي لا تقتصر على صراع بين معارضة وموالاة بل هي متعلقة بالبيئة والصحة، وبالتالي يحق للمواطنين الذين ينتخبون ويمارسون حقهم السياسي في تغيير الوضع الإقتصادي والمعيشي في البلد، التحدث في السياسة أيضاً".

وعن مصير الأعمال الفنية في حال استمرّت الأزمة، قال: "كمخرج مستقلّ أحاول قدر الإمكان الإستمرار في عملي لضمان لقمة العيش. أكتب نصّ الفيلم الثاني وأبحث عن منظمات تدعم الأعمال الفنيّة بهدف إستمراري مهنياً."

وشدد بو رجيلي على أن الشعب يعي بأن السلطة السياسية الفاسدة منذ 30 عاماً أوصلت الوضع إلى هنا لذا لا عودة إلى الوراء، ولا مصالحة شخصياً مع تلك السلطة التي بسببها يتأذى متظاهرون ويتشوهون ويفقدون أعضاءهم ويستشهدون. "لذا لا أفهم كيف يستطيع السياسيون النوم بضمير مرتاح فيما قراراتهم أوصلت البلد إلى هنا".

وختم بو رجيلي قائلاً: هناك من يعيش تحت خط الفقر منذ 30 عاماً، لذا لا يمكن لأحد أن يملي عليه كيفية تعبيره عن غضبه أو لومه عن تصرفاته بسبب سلطة مهملة غير آبهة بحاله، لا ترى معاناته، لذا لم يجد سوى ردّة الفعل هذه للفت نظرها والإنتفاض على القهر والذل. إن اللامساواة في الإنماء والأبناء سترتدّ على السلطة السياسية ولا حلّ سوى بالإصغاء إلى إرادة الشعب، لو لم تخلّ هذه السلطة بوعدها لما تحرّك الشارع لذا تتحمل وحدها مسؤولية أي نقطة دم ستسقط، لأنها هي المسؤولة عن تحسين البلد لا نحن".