عماد موسى

ميشال مكتّف: ليتك معنا

30 كانون الأول 2022

02 : 01

أطرف ما يمكن أن تسمعه أذن، بأكثر الأصوات صفاء: "أنا لبنان يا سنة الجديدة /لا تتشيطني لجامك بإيدي..." آخ يا أستاذ وديع على سنين فالتة من عقالها، وعلى شخصيات عاقلة تتهم الآخرين بشيطنتها، وشياطينها منها وفيها.

وأكثر ما يتردّد على ألسِنة العامة، وهم يبتهجون كالبُلهاء ويتعانقون ويمارسون طقوس العيد: "تنعاد عليك" و"نفرح منك" و"تفرح منهم" أو "نشفلك يا عريس" و"بخلاصك يا عروس" و"يخلّيك بصحتك" ويكون الأخير على آخر نفس يجرّ الأوكسيجين وراءه وذلّ السنين.

وأسوأ ما يمكن أن يقوله سياسي مخضرم و"مكحكح" ومسؤول انشالله يتحسن البلد ويتحاور اللبنانيون ويلتفون حول جيشهم ومقاومتهم ونتوافق جميعنا على رئيس جديد للجمهورية. وأين مزارع شبعا وتلال كفرشوبا يا ونستون عصرك؟

وفي عيدي الفصح المجيد لدى جناحي الكورة: الموارنة والأرثوذكس، التكرار يرسّخ الأفكار."انشالله يقوم البلد" ويتحاور اللبنانيون وننتخب رئيساً... الخ الخ. وأبلغ حكمة تهز الوجدان في زمن الإنهيارات تلك المطعّمة بـ"طائر الفينيق". أو جملة ينطق بها ميشال حايك وهو يفلسف اللحظة ويطرّز المأساة.

وأسخف تمنيات تلك التي يتبادلها الرؤساء والملوك عشية العيد، أو في الأيام الأولى للسنة الجديدة. شكراً لمن منّ علينا بالفراغ ووفر على العاملين بالقصر فرز البرقيات.

وأجمل من جحيم القبل، في عناق العقربين منتصف ليل السبت / الأحد كلمة تسافر خفيةً على متن نجمة بعيدة ويتطاير نِثارها الفضي في السماء.

والأصدق من كل ما سبق دمعة تتدحرج على رخام الذاكرة. الأصدق اشتياق برائحة الياسمين. الأصدق قلب يهتف إلى من غادره طوعاً، أو غدر به موت: "ريتك معنا". في أيام السنة الأخيرة يفتقد الإنسان حضور من يحب. يتطلّع في كل الإتجاهات.

ينتظر. كل الإتجاهات أبواب موصدة. حتى الأرواح لا تستطيع التسلل من الشقوق الضيقة جداً.

هذه السنة إفتقدتُ وجود ميشال مكتّف وسط قاعة التحرير محاطاً بعيون وأسئلة ورنين ضحكات وكأس مرفوعة بأمل. قبل الربيع بثلاثة أيام اختفى كنجمة خلف قوافل الغيم. جاء الربيع. تكشحت السماء. جاء الصيف تسيّد القمر. كاد الخريف يرحل ولم يعد المسافر ولو مرة، ولو للحظة، ولو لومضة شمعة.

"رَيتك معنا" يتمنّاها كل منّا، بكثير من الحب والعرفان. سنة أولى تُطوى صفحاتها بلا ميشال مكتّف، ويبقى الرجل المحبّ في وجداننا العنوان الجذاب ونجمة لطيفة معلّقة على شجرة الذاكرة!


MISS 3