ريتا ابراهيم فريد

المسرح في لبنان.. بين المغامرة ومواكبة الانتفاضة

25 كانون الثاني 2020

11 : 48

أثر كبير تركته الأوضاع الأمنية والإقتصادية في لبنان على جميع القطاعات، منذ أن بدأت انتفاضة 17 تشرين. وكان للفنّ بشكل عام والمسرح بشكل خاص حصّته منها. وفي حين عمد عدد من المسرحيين الى تأجيل عروضهم أو التوقف عن التحضير لأعمال كانوا قد بدأوا بها، أصرّ البعض الآخر على المضي قدماً والاستمرار بتقديم العروض أو حتى إطلاق مسرحيات جديدة. لكن ذلك كان نوعاً من المغامرة.


يحيى جابر:

نحن أمام انهيار كامل      







لا يخفي المسرحي يحيى جابر تخوّفه من افتتاح أي عرض مسرحي اليوم، معتبراً ذلك "مغامرة حقيقية". وإذ يؤكد أن الوضع الاقتصادي انعكس على كل القطاعات ومن بينها الفن، بحيث "بتنا أمام انهيار كامل على جميع الصعد"، يرى أن غياب الجمهور عن الصالة يوازي غياب المسرح. ويضيف جابر في حديث لـ"نداء الوطن" أنّه سوف يشارك في مهرجان المسرح اللبناني الذي سيبدأ عرضه في شباط المقبل، لكنه متخوّف أيضاً من حضور الجمهور بالرغم من أن المهرجان مجاني.


وعن أهمية الاستعانة بالمسرح لمواكبة الانتفاضة، يعتبر جابر أن المزاج العام الذي انقلب في البلد بات يستوجب انقلاباً جدياً على مستوى الكتابة والنص والإعداد، كما أن المعالجة تختلف من شخص لآخر، حيث أن البعض يعالج الأحداث من خلال "الشانسونييه"، أو "الستاند أب"، أو عبر الجانب الدرامي والتعبيري، وصولاً الى المسرح الثوري مع الهتافات. ويتابع أن الأعمال الفنية اليوم مفتوحة على مصراعيها من دون أن يكون هناك شكل محدد لها. وبالنسبة للمسارح التي لا تزال مستمرة في تقديم عروضها، تمنى جابر كل التوفيق لها، مؤكداً أن ليس لديه موقف نقدي من أي تجارب مسرحية أخرى، ويضيف:"لكني أعتقد أن جميع المسارح في أزمة اليوم".



من جهة أخرى، يرى جابر أن الثورة تنتهي حين ينتهي الجوع والافلاس، وحين تحلّ قضايا سرقة المال المنهوب، وتتحقق بالتالي حقوق المواطنين، وليس فقط مطالبهم". ويتابع:"الثورة الشعبية بمعناها العريض لم تبدأ بعد. هي حتى اليوم ثورة شبابية أشبه بحمم بركانية في جميع المناطق، وهذه أهميتها". وأكّد على أنه يراهن اليوم على الطلاب، لأنهم "الأمل الحقيقي"، حسب قوله.



لينا خوري:

ما يحصل أكبر من أي عرض مسرحي







قبل 17 تشرين الأول، كانت المخرجة لينا خوري بصدد كتابة وتحضير مسرحية جديدة. لكن مع انطلاق الانتفاضة، تغيّرت الأمور تماماً، وبات تركيزها منصبّاً على متابعة ما يحصل على الأرض، بين الساحات ونشرات الأخبار وقراءة الصحف. وتضيف لينا التي تجاهر بدعمها للثورة وبالحاجة الماسة الى التغيير: «تركنا كل شيء لنشارك بالتظاهرات».


وترى في حديث لـ»نداء الوطن» أن المسرح اللبناني تأثر بشكل كبير بالأحداث، وتقول: «ما يحصل اليوم هو أكبر من أي عرض مسرحي. وعلى الصعيد الشخصي، لم يكن ممكناً أن أستمرّ بما كنت أكتبه قبل الانتفاضة، كونه مغاير للوضع الذي نعيشه وكثير البعد عنه». وتوضح:»المسرح يعكس حالة المجتمع وتفكيره وهواجسه. وما قبل 17 تشرين ليس كما بعده».



بالمقابل، تعتبر خوري أنه من الأفضل أن نكتب عن الحالة بعد أن تنتهي، لأنها تحتاج نضجاً في المعالجة وعمقاً في التحليل. ومن هُنا لست اليوم بصدد كتابة مسرحية مرتبطة بالانتفاضة، لكن من الممكن أن يحصل ذلك في مرحلة لاحقة. من جهة أخرى، ترى خوري أننا في لبنان «نحتاج الى خطة إنقاذية لأننا نغرق. نحن قادرون على القيام بها لكننا نحتاج الى توافق»، وتعتبر أن المطلوب أشخاصاً يضعون مصلحة لبنان فوق مصلحتهم الشخصية، كائناً من كانوا. هذا وتؤكد على أن الانتخابات المقبلة هي الأمل الأساسي، لأنها سوف تحدّد كمية الوعي في الشارع، الذي سيظهر عند انتخاب النواب المناسبين. 


عايدة صبرا:

هو القطاع الأكثر تأثراً بالحالة الاقتصادية والأمنية







من جهتها، ترى الفنانة عايدة صبرا أن المسرح اللبناني عاش حالة ممتازة من حوالى سبع سنوات حتى اليوم، بحيث كانت هناك مسرحيات عدة على مدار السنة، وبعضها شارك في مهرجانات عالمية وحصد جوائز.

وأضافت صبرا في حديث لـ»نداء الوطن» أن الأمور تغيّرت اليوم بسبب الوضع الأمني وإقفال الطرقات والتظاهرات، ومن الطبيعي أن يكون هناك تراجع لناحية الإنتاج أو الإقبال، لا سيما وأنّ «المسرح هو القطاع الأكثر تأثراً بالحالة الاقتصادية والأمنية»، وفقاً لقولها. أما بالنسبة للمسارح التي استمرت بتقديم عروضها رغم الظروف الراهنة، اعتبرت صبرا أن أغلبها يطرح المواضيع بأسلوب كوميدي، والناس بحاجة لأن تفرح وتموّه قليلاً عن الضغوط النفسية التي تعيشها.


صبرا التي أشرفت على مسرحية «الجدار» لأندريه أبو زيد، أشارت الى أن العمل كان مشروع دبلوم، وكون النص يناسب الحالة اليوم الى حد ما، حيث أنّ القصة تتحدث عن ثوار تمّ اعتقالهم وتواكب الحالة النفسية التي مروا بها، وقد أعاد أبو زيد عرض المسرحية منذ أسابيع قليلة على «مسرح المدينة».


وعن إمكانية كتابة مسرحية تحاكي الوضع الحالي المستجد في لبنان، اعتبرت صبرا أنه لا يمكن القيام بذلك حالياً، «لأننا لا نزال داخل الحالة ولم تكتمل الصورة بعد، ولا نعلم بالتالي كيف ستتجه الأمور». وفي هذا الإطار، تعتبر صبرا أنه منذ الأسبوع الأول للانتفاضة كان يجب أن تتشكل حكومة طوارئ لانقاذ البلد، «لكن يبدو أن السلطة لا تريد أن تستمع الى صوت الناس»، حسب قولها. 


جورج خباز:

إذا كان المسرح عايش يعني الحلم عايش 







بعد أن شارك في التظاهرات في أول أيام الثورة، قرّر الفنان جورج خباز العودة الى ملعبه الخاص على خشبة المسرح. الجميع نصحه بعدم الإقدام على هذه الخطوة. لكنّه أصرّ رغم كل الظروف على خوض المغامرة وأطلق في كانون الأول الماضي مسرحيته «يوميات مسرحجي»، التي سجّلت نجاحاً كبيراً لناحية الإقبال على الحضور ضمن الظروف الراهنة.



وفي هذا الإطار، يؤكّد خباز في حديث لـ»نداء الوطن» أنه لا يجيد التعبير إلا من خلال المسرح، ويضيف بكل بساطة: «إذا كان المسرح عايش يعني الحلم عايش»، ويتابع: «كنا مضغوطين من جميع النواحي، وبأمسّ الحاجة الى إعادة إحياء الحلم، وخضتُ هذه المغامرة مراهناً على إرادة الحياة التي نتميّز بها كلبنانيين». ويضيف أن النجاح الذي حققته المسرحية يعود الى الثقة المتبادلة بينه وبين الجمهور الذي تواصل معه من 16 عاماً من دون توقف. ونوّه بأن الأوضاع الاقتصادية لم تؤثر على مسرحه لأن أسعار البطاقات مدروسة وتناسب الجميع، وقد بقيت كما هي وبالليرة اللبنانية.


وعن احتمال كتابته لمسرحية خاصة بالانتفاضة في لبنان، اعتبر خباز أنه ما من داع لعمل فني للاضاءة على أحداث استطاعت أن تعبّر عن نفسها بهذا الشكل الكافي. هذا وعبّر جورج عن تفاؤله الدائم حتى في أصعب الأزمات، متمنياً التوفيق للحكومة الجديدة «لأن اللبنانيين تعبوا وباتوا فعلاً بحاجة الى طمأنينة»، حسب قوله.













MISS 3