سريعاً يتقمّص المستشار شخصية "ولي نعمته"، بحركاته بسكناته بنبرة صوته بمفرداته بنظراته بتأملاته. يُعين في "الحزب" يوم الإثنين مستشاراً للرئيس. في صباح الثلثاء، بعد أقل من 24 ساعة من تعيينه، يولد من جديد إنساناً هجيناً، يجمع في جيناته بين مواصفات البوق وذكاء الببغاء.
ينتقل المستشار من المقاومة المسيحية إلى المقاومة الإسلامية كما ينتقل محمد عبد الوهاب من مقام النهاوند إلى مقام السيكاه بسلاسة نادرة. وبين "المقاومتين" يعرّج المستشار على "الوسطية " الأقرب إلى 14 آذار لينتهي به المطاف شتاماً للزميلة هادلي غامبل.
وإلى موهبة نقل البارودة، من كتف إلى كتف، يظهر المستشار في حضرة رئيسه شخصية ممحوّة، أقرب إلى هرّ مخصي يتجول بين الأقدام في البهو الكبير، ليضع رأسه الجميل على حذاء "سيده" لتبدأ الخرخرة إلى أن ينتهي الإجتماع، فيقف الهر ويلمّ الأوراق المبعثرة ويستمتع لدقائق بالجلوس مكان رئيسه وحبيبه وإلهه.
وأغلب المُستشارين لا يُستشارون بأي أمر جلل، بل تقتصر وظائفهم على بلورة أفكار معاليه وتنقيحها، وتعميمها كأمثولات على الشاشات، وتوسل رضاه وتحمّل أخلاقه النتنة، حتى إذا ما "قُبعت" الوزارة وجد المستشار نفسه وزيراً مستقلاً مكان سيده أو ظلاً له. الرأس في السراي والزمام في مكان آخر، وسرعان ما يحيط المستشار نفسه بمجموعة مستشارين.
المستشار في لبنان هو مشروع نائب، ومشروع وزير، وشخصيته بشكل عام تشبه شخصية شاعر البلاط، الذي انتفى عنده الحس النقدي، وحس المبادرة، والحس الخلّاق، وحاسة النظر إلى ما هو أبعد من البلاط الذي تدوسه قدما معلمه الرشيقتان في الهرولة والبهلوانيات. أما حاسة الشم عنده فتوازي حاسة شم دب جائع في متاهات سيبيريا، ويدخل في إطار عمل المستشار: "سيدي عطر مموزيل شانيل عالق على "الفانيلة" المغسولة منذ 4 أيام بمسحوق آريل العجيب. أرجو أخذ الحيطة والحذر من زوجتك".
ويسعى المستشار الطموح والوصولي إلى تشويه سمعة باقي المستشارين، فيبقي فمه أقرب إلى أذن رئيسه، مستعيناً بكل مطهرات الأنفاس الكريهة، وهكذا يظل صدى كلماته طيباً وعالقاً على طبلة أذن سعادته.
وتتفوّق المستشارة الأنثى على المستشار الذكر، بقدرتها على لعب دور الوزير والتحكّم بالقرارات المصيرية ودس أصبعها في جدول الأعمال، فيما يكتفي صاحب المعالي بلعب دور المستشار.
في العموم لا مستشار درجة أولى في الجمهورية اللبنانية، معظمهم على مستوى الأداء تارسو، ويُستثنى من هذا التصنيف مستشار الإنماء اللبناني، أحمد بك الأسعد، فهو والمستشار الألماني غيرهارد شرودر باب أوّل، وقد رفع الأسعد المستشارية إلى أعلى المراتب. يخليلنا ياك أحمد بك.
