د. ميشال الشماعي

العين على شركات الخدمات

5 كانون الثاني 2023

02 : 00

أيّ استثمار في أيّ قطاع يجب أن يتزامن مع نوعيّة خدمة تؤمّنها شركات مختصّة بهذا النوع من الخدمات. وفي هذا السياق سيبرز مفهوم جديد لهذا القطاع في لبنان تزامناً مع الاستثمارات التي ستبدأ في قطاع الطاقة في لبنان. والرّابط المفترض هنا أن يكون بين هذا القطاع الذي سيتجدّد تزامناً مع هذا التطوّر الاستثماري، والواقع السياسي الذي قد يتغيّر بناءً على هذه التطوّرات.

هذا الباب ليس جديداً على العقل اللبناني الذي قام باقتصاده عبر السنين من خلال تفعيل قطاع الخدمات في مجالاته كافّة. ولعلّ هذا ما أوقع الاقتصاد في الريعيّة القاتلة التي أدّت إلى سقوطه عند أوّل منعطف تكويني عصف به. لذلك، بات الخبراء كلّهم مقتنعين بأنّ الاقتصاد القادم يجب أن يقوم على قاعدة الاستثمار في المجالات المنتجة كالزراعة والصناعة لينتقل من الريعيّة الهدّامة إلى الانتاجيّة البنّاءة. وهذا ما أدّى إلى رفع نسب التضخّم إلى أكثر من 2800%. وذلك كلّه مرتبط باستراتيجيّة سياسيّة انتهجتها «سلطة إيران» منذ تولّيها الحكم في لبنان، لغاياتها الأيديولوجيّة، بهدف ضرب الفكرة اللبنانيّة التي قامت على الوحدة في التنوّع والتنوّع في الوحدة.

من هذا المنطلق، تتابع هذه السلطة بالذات طريقة العمل الاقتصادي نفسها، إذ تعمل منذ لحظة انطلاق قطاع الطاقة في لبنان للسيطرة على قطاع الخدمات الذي سيرافق هذا القطاع. وهذا ما حتّم إنشاء شركات شحن مثلاً لعائلات مقرّبة من «الثنائي» المتحكّم والحاكم؛ فضلاً عن البدء بالحديث عن إنشاءات سكنيّة وفنادق على طول الساحل اللبناني لتكون بخدمة العاملين الأجانب والمحلّيين في هذا القطاع. إضافةً إلى مكاتب إيجار السيّارات وسيّارات الأجرة ومطاعم تعدّ الوجبات السريعة ولوازمها.

والفائدة من السيطرة على هذا القطاع تكمن في تأمين مورد شرعيّ للعيش من خارج ماليّة الدّولة ومؤسّساتها بعدما قام بإسقاطها هذا المحور؛ ولعدم الاعتماد على المصادر غير الشرعيّة ولانقطاع الوريد الذي كان يدرّ العملات الصعبة من الجمهوريّة الاسلاميّة في إيران عبر المصارف العراقيّة بالتعاون مع بعض الشخصيّات والمؤسّسات والمصارف المشبوهة في لبنان. بذلك يكون هذا المحور قد استعاض عن مصادره التي نضبت بمصادر لن تنضب قبل سنين وسنين طويلة جدّاً من استهلاكها.

وهذا ما سيؤمّن استمراريّة الصمود لبيئته الحاضنة، لا بل أكثر من الصمود بكثير، سيشكّل ذلك عاملاً نهضويّاً لهذه البيئة التي تهالكت نتيجة دفعها فاتورة مواجهة العدوّ الاسرائيلي بالشكل وتوقيع المرجع المواجِه أي منظمة «حزب الله» اتّفاقيّة السلام الصامت مع هذا العدوّ. هذا السلام الصامت الذي لم يأتِ نتيجة للضغوطات الدّوليّة، ولا في محاولة لحلّ مشكلة الطّاقة التي استجدّت في أوروبا بعد الحرب الروسيّة على أوكرانيا؛ إنّما لأنّ هذه البيئة التي كانت تشكّل الدّاعم الأساسي لهذا الفريق لم يعد بإمكانها أن تحضن مشروعه الأيديولوجي- السياسي نتيجة للأزمة الاقتصاديّة التي أوقعت سياسات هذا المحور لبنان الدّولة فيها.

لذلك كلّه، عين هذا الفريق على شركات الخدمات التي سترافق الاستثمارات في مجال الطاقة. وبذلك فقط سيستعيد سيطرته المطلقة على الدّولة كلّها وسينجح باستعادة ما أفقدته إيّاه انتخابات 2022 لأنّه سيتحوّل إلى ميسِّرٍ لأَشغال وإشغال اللبنانيّين في هذا القطاع الذي سيشكّل عماد الدّورة الاقتصاديّة الجديدة. أمام هذه المستجدّات، يتوجّب علينا تغيير استراتيجيّة المواجهة في العودة أكثر إلى القطاعات المنتجة أي الزراعة والصناعة قبل أن يتمكّن بدوره من السيطرة على هذين القطاعين.

وحذارِ إن نجح بذلك. عندها لن نتمكّن من استعادة لبنان الحضارة والتاريخ والكيان الذي عمل أجدادنا على تحقيقه طوال أكثر من أربعة عشر قرناً من المقاومة اللبنانيّة الأصيلة. وسيتمكّن عندها من تحقيق مشروعه الأيديولوجي من البوّابة الاقتصاديّة – الخدماتيّة عبر هذه الشركات التي لن يتمكّن أحد من مواجهتها نظراً إلى الرساميل الكبرى التي ستنشأ بها، والقادمة أساساً من القطاعات غير الشرعيّة والأموال المغسولة. وقد أعذرَ مَن أَنذَرَ !


MISS 3