خالد أبو شقرا

لا فرق بين كبير أو صغير... عند "انهيار البنيان"

الرسملة "تُغربل" مصارف لبنان

28 كانون الثاني 2020

02 : 00

من المتوقع أن يتّجه الكثير من القطاعات إلى عمليات دمج وتقوية في ما بينها
قبل حوالى ثلاثة أشهر وعلى ضوء التخفيضات المتتالية للتصنيف الائتماني، أصدر مصرف لبنان تعميماً طلب فيه من المصارف رفع رساميلها بنسبة 20 في المئة. 10 في المئة تُدفع قبل نهاية العام 2019 و10 في المئة المتبقية تُسدّد قبل منتصف العام 2020. فهل نجحت المصارف اللبنانية التجارية التي يبلغ عددها 49 مصرفاً، في تلبية متطلبات الرسملة؟ وما هو مصير المتخلّفة منها؟ ومن أين ستأتي المصارف التي تعاني من نقص كبير في السيولة بالأموال المطلوبة؟

بعد صدور التعميم نجحت مجموعة قليلة من المصارف برفع رساميلها وقد أعلنتها صراحة، فيما لم يعرف على وجه التحديد ما هو وضع المتبقية منها وما إذا كانت قد لبت طلب الرفع بنسبة 10 في المئة قبل نهاية العام 2019 وان كانت ستستطيع تحقيق شرط الـ 20 في المئة قبل نهاية هذا العام، رغم طلب بعضها مهلة إضافية من مصرف لبنان.

ما صدر من بيانات عن بعض المصارف تؤكد مطابقة الشروط عقب جمعيات عمومية، بقي محصوراً بالكبيرة منها، فيما لاذت أغلبية المصارف المتوسطة والصغيرة بالصمت المطبق، ولم يصدر عنها لا تأكيد ولا نفي لغاية الساعة. فرفع الرساميل يشكّل عبءاً مادياً حقيقياً على بعض المصارف في الاوضاع التي يمر بها القطاع والبلد. بعض المصارف مثل بيبلوس استطاع ان يلبّي الرفع بنسبة 10 في المئة قبل نهاية 2019 من قبل أموال المساهمين الأساسيين في المصرف، فيما اضطر بنك عودة الى بيع فرع مصر، هذا ويلجأ الكثير من المصارف إلى عرض المساهمة برفع الرساميل على جميع المساهمين بشكل اختياري.

في حال قرر مجلس إدارة المصرف عدم تلبية طلب "المركزي" قصداً أو حاول ولم يستطع رفع رأسماله، ففي هذه الحالة يعود القرار لمصرف لبنان لاتخاذ التدابير بحقه، والتي من الممكن ان تتراوح بحسب رئيس فريق الأبحاث الاقتصادية في بنك بيبلوس نسيب غبريل بين "وضع اليد عليه لفترة وجيزة او دمجه مع مصرف آخر". وبحسب غبريل فإن "هذا الامر طبيعي وقد سبق ان وضع مصرف لبنان يده على كل من بنك الاعتماد اللبناني والمصرف اللبناني للتجارة في ما مضى ولأسباب لا تتعلق بالرسملة، ومن ثم أعاد بيعهما".

الاندماجات مؤجّلة

أمام هذا الواقع يعود موضوع الدمج بين المصارف او استحواذ القادرة منها على الضعيفة إلى الواجهة، وبحسب الكثير من المصرفيين فانه لم يعد هناك من مفرّ امام هذه العملية القيصرية في القطاع المصرفي، ليس بغية تحقيق رفع الرسملة انما أيضاً بهدف الابتعاد عن المخاطر، رفع المرونة، ومواكبة التطورات العالمية. فالمصارف التجارية تتعرض للكثير من الضغوط نتيجة حملها الجزء الاكبر من مديونية الدولة، وقد أصبحت معظمها عاجزة عن القيام بدورها الطبيعي تجاه تحفيز القطاع الخاص والقطاعات الانتاجية. وتُعتبر عمليات الدمج ضرورة قصوى من أجل مواكبة التطورات والشروط العالمية الجديدة، لجهة توفر الذكاء الصناعي، والمعاملات الالكترونية وأنظمة السلامة ودرء المخاطر، ومكافحة تبييض الاموال. ويلفت غبريل إلى أنه "من المتوقع أن يتجه الكثير من القطاعات الى عمليات consolidation أي دمج وتقوية. فضغط الازمة وشح السيولة والانكماش الاقتصادي... حالات يؤدي ظهورها في أي اقتصاد الى توسيع عمليات الاندماج. ورغم ان كل الأعين موجهة الى المصارف فانه ليس من المتوقع ان نشهد قريباً جداً عمليات دمج جوهرية، كما يسوّق لها، باستثناء تلك التي لن تلبّي شروط رفع رساميلها فيجري دمجها او يسهل الاستحواذ عليها. الا انه من المبكر الحديث عن الأسماء والاحجام. وهي تتطلّب المزيد من الوقت لتبيان الملامح. لذا لا يتوقع ان يبدأ شيء قبل النصف الثاني من العام الحالي".

التباين بين المصارف


الأزمة الحالية أظهرت تباينات كبيرة في القطاع المصرفي اللبناني وقد ظهر نموذجان فاعلان: الاول، لا يواجه بحسب أصحابه أي مشكلة فعلية نتيجة اتباعهم استراتيجية المحافظة على مستوى مرتفع من السيولة على حساب تحقيق الأرباح والتوسع الخارجي، فيما النموذج الثاني فضّل أصحابه تحقيق الأرباح والمنافسة على التصنيفات لجهة حجم الودائع والموجودات ومستوى الأرباح والتوسع المحلي والإقليمي، وهو ما أظهر تداعيات الازمة عليهم بشكل كبير.

الايام المقبلة ستُظهر الخيط الأبيض من الأسود في القطاع المصرفي. فهذه الازمة هي بمثابة الغربال الحقيقي، من ينجو من المصارف سيبقى ويستمر فيما سيختفي من يعجز عن المواجهة، في حال لم يتدخّل مصرف لبنان سلبياً لحمايتها على حساب المودعين وصغار المساهمين.