مريم سيف الدين

مجلس النواب يُهرّب الموازنة خوفاً من الشارع

"مغاوير المجلس" يدخلونه خلسة بحمى الجيش

28 كانون الثاني 2020

02 : 00

مواطنون يحاولون الوصول إلى المجلس (رمزي الحاج)

خلف الجدران التي حاصر بها النواب والوزراء الجدد أنفسهم وعزلوها عن الشعب، إنعقدت جلسة مجلس النواب وأقرّت على عجلة موازنة العام 2020. هي الموازنة نفسها التي رفضها مئات الآلاف في الشوارع وفنّد خبراء مخاطرها الاقتصادية. وجنّدت مختلف القوى الأمنية طاقاتها وعناصرها لتأمين انعقاد الجلسة، وأوكلت إلى فوج المغاوير مهمة تأمين وصول النواب إلى المجلس النيابي خشية من الشعب. ولم تنعقد الجلسة بقوة الخطة الأمنية الموضوعة فحسب وإنما لتراجع زخم المتظاهرين في الشارع.

ويبدو وكأن مجموعات عديدة فضلت الاكتفاء بالمراقبة يوم أمس لمعرفة كيف ستتصرف الحكومة الجديدة في المرحلة المقبلة، بدل الدعوة لتحركات ولمحاصرة المجلس النيابي. وبدت واضحة خشية مجموعات من قمع التظاهرات من قبل القوى الأمنية ووقوع أعمال عنف، وهو ما منع بعضها من الدعوة إلى تحرك. بينما نشرت مجموعات أخرى مساء أمس الأول في وقت متأخر، دعوات للإضراب ومحاصرة المجلس، بعد تردّدٍ وتروٍّ. ولم يتوقع المنتفضون إقرار الموازنة في وقت قياسي بلغ نحو ثلاث ساعات، خشية تزايد أعداد المتظاهرين. بل توقع هؤلاء استكمال انعقاد الجلسات اليوم الثلثاء، ما كان سيمنحهم فرصة للخروج بقرار ما على ضوء أحداث أمس.

وعلى الرغم من تأمين الجيش لانعقاد الجلسة وانتشاره الكثيف حول المجلس النيابي، غير أن السلطة فشلت في إعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل 17 تشرين الأول، ولم تمنح إجراءات الجيش النواب الشعور بالأمان. فعلى الرغم من تراجع أعداد المتظاهرين، واقتصار انتشارهم على بعض مداخل المجلس، غير أنهم تمكنوا من فرض الرعب على المجلس ورئيسه، فهرّبت الموازنة بأسرع وقت ممكن خشية "الوضع الأمني". كما حاول النواب الدخول خلسة، إلى المجلس، فتعرضت مواكب البعض منهم للرشق بالبيض ولشتائم مواطنين. وأثار رد النائب سليم عون على إحدى المواطنات التي اتهمته بأنه "حرامي" سخرية العديد من المتظاهرين والناشطين. إذ رد عون بالقول "وحدِك حرامية" ما استسخفه مواطنون، وبعضهم طالب النائب بأدلة تثبت صحة أقواله. كما استهجن المنتفضون قطع البث المباشر عند بدء التصويت على بنود الموازنة واعتبروه تصرفاً إضافياً يدين السلطة ويؤكد رفضها اتخاذ إجراءات لمعالجة الأزمة.

ووقع منذ الصباح العديد من الإشكالات المتفرقة بين القوى الأمنية ومتظاهرين حاولوا إغلاق طرقات بأجسادهم أو حاولوا اجتياز العوائق الفاصلة بينهم وبين المجلس النيابي، فجرح عدد من المتظاهرين. وعند كورنيش المزرعة عمل الجيش على فتح الطريق بسرعة وبحزم. وانتشر الكثير من الآليات العسكرية عند جسر الرينغ لمنع إقفاله كما جرت العادة. وكما في السابق برز حماس لدى عدد من العناصر الأمنية لضرب المتظاهرين وتعنيفهم قابله حرص من عناصر أخرى على تهدئة الأوضاع.

وفي حين بات واضحاً إدراك النواب بأنهم خسروا ثقة قسم كبير من الشعب، وأن دخول المجلس بعد 17 تشرين يختلف عن دخوله قبله، تشخص الأنظار إلى جلسة التصويت على منح الثقة للحكومة، والتي لم يحدد موعدها بعد. ويظهر الشعب وكأنه يمنح الحكومة الجديدة فرصة، بينما تقابله الحكومة بقرار السير بمشروع الموازنة الذي رفضه الشارع، وكأنها مصرة على تضييع الفرص وإثارة غضب الناس.