ريتا ابراهيم فريد

التخطيط لأهداف السنة الجديدة

مدرّب الحياة راني بيطار: الأولوية للصحّة النفسية

10 كانون الثاني 2023

02 : 01

قد تكون بداية السنة مناسبة لإنطلاقة جديدة بالنسبة للبعض. ومعظمنا يطمح لتغييرات في حياته وشخصيته مع بداية العام الجديد، حتى أنّ كثيرين يخصّصون وقتاً للتفكير بأهداف وإنجازات يسعون الى تحقيقها، بينما يرغب آخرون بالتخلّص من عادات سيّئة أو الابتعاد عن أمور مزعجة، أو اكتساب مهارات جديدة. واللافت أنّنا أحياناً نشعر في البداية بحماسٍ كبير لذلك، خصوصاً خلال الشهر الأول من السنة، لكنّ اندفاعنا ما يلبث أن يتراجع تدريجياً، حتى أنّنا قد ننسى تماماً ما كنّا قد خطّطنا له.



إختيار أهداف واقعية


يشدّد مدرّب الحياة راني بيطار في حديث لـ"نداء الوطن" على أهمّية اختيار الأهداف الواقعية. ويوضح أنّ الإنسان الذي يضع لنفسه أهدافاً خيالية، سيدخل حتماً الى ما يُعرف بالـPanic zone أو منطقة الذعر. وهي إحدى المراحل الثلاث الأساسية لسلوك الإنسان وحالاته النفسية، الى جانب منطقة الأمان أو ما يُعرف بالـComfort zone، ومرحلة الإمتداد أو الـStretch zone. ويعطي راني مثالاً على ذلك قائلاً: "إذا كنا نرغب بتخفيف وزننا، لا يمكننا أن نقرّر فجأة إجراء تمارين رياضية لساعات طويلة بشكل متواصل. لأننا حينها سنخرج من منطقة الأمان مباشرة نحو منطقة الذعر. وقد يرتدّ ذلك علينا بشكل سلبي، ويتسبّب لنا بقلقٍ وتوتّر وإحباط".

ويضيف أنّ منطقة الأمان هي الحالة التي نشعر داخلها بالراحة، وهي منطقة تستقطبنا للبقاء فيها، فنتجنّب القيام بأيّ تغيير من شأنه أن يُخرجنا منها. لذلك نمارس التصرّفات التي تريحنا وترفع من نسبة الدوبامين في الجسم على المدى القصير. ويتابع: "علينا بالطبع أن نخرج من منطقة الأمان. لكن من الأفضل ألّا نضع أمامنا أهدافاً كبيرةً دفعة واحدة، بل أن تكون أهدافنا قابلة للتحقيق، وألا نحدّد سنة واحدة لإنجاز أهداف تحتاج الى سنوات طويلة للوصول إليها. كما يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنّ الظروف قد تتغيّر بعد فترة وقد تعيق وصولنا الى الأهداف الكبيرة. وحيث أنّه لا يمكننا أن نعيش في المستقبل، ولا يجوز أن نعيش في الماضي، علينا أن نعيش الحاضر كما هو، وليس الخيال".

كلّ لحظة تشكّل بداية جديدة


البعض يرغب بأن يضع لائحة لأهدافه، لكنّه لا يعرف من أين يبدأ. فماذا عن الطرق الفعّالة لاختيار الأهداف؟ يشير راني الى أنّه علينا في البداية أن نحدّد الأمور التي كنّا نفتقدها في السابق وأن ندرجها الى جانب ما نحتاج إليه للسنة الجديدة. وينصح بأن تكون الأولوية للصحّة النفسية مع بداية السنة والتركيز على تطوير الوعي، "وتلقائياً سنصل الى ما نسعى إليه ونحصده كنتائج، وليس كأهداف"، حسب قوله. كما ينصح بألا ننتظر قدوم السنة الجديدة كي نبدأ بالتغيير، ويقول: "كلّ لحظة هي بداية يمكننا أن نعود فيها الى مرحلة الصفر ونبدأ من جديد. هي نعمة أنعم بها الله علينا. شرط أن نتحلّى بانضباط النفس لتحقيق الإنجازات. حتى أنّ العقبات التي تضعها الحياة في وجهنا تكون أحياناً ذات فائدة، بحيث أن تخطّيها يساعدنا على تطوير وعينا وشخصياتنا".

هذا وينصح بربط لائحة الأهداف برسم بياني يسمى wheel of life أو عجلة الحياة، التي تؤمّن التوازن بين مختلف أجزاء حياتنا التي تشمل العمل والعائلة والتعليم والأصدقاء والشركاء وغيرها. ويوضح: "كلّ الأجزاء تتكامل لتأمين الاندفاع الذي يساعد على تحقيق الإنجازات. مثلاً لا يمكنني أن أقول إني أريد جمع مبالغ إضافية من المال، في حين أنّ علاقتي مع شريكي في العمل سيّئة". وبالنسبة للفترة الزمنية التي نحدّدها لتحقيق أهدافنا، يشير راني الى إمكانية تقسيمها الى أهداف سنوية، ثمّ تجزئتها الى 6 أشهر، ثمّ الى شهر، وقد نصل أحياناً الى أهداف أسبوعية أو حتى يومية. ويتابع: "هكذا نضع مخطّطاً فعّالاً. فحياتنا تشبه الـ business، وعلينا أن نتّخذ القرارات التي تتيح لنا أن نحصد إنتاجية من هذا العمل، وإلا سنكون أمام فشل قد يؤدّي بنا الى مرحلة من الإكتئاب".

تــوصــيــف الــتــجارب الــســابــقــة

ينصح بعض الخبراء بتدوين الأهداف على ورقة ولصقها على حائط الغرفة أو المكتب كي تبقى تحت أنظارنا وفي ذاكرتنا كي لا ننساها. من جهته، يشير راني الى أنّ هذه الطريقة فعّالة، ويضيف قائلاً: "حتى لو أهملنا الورقة لاحقاً، لكنّ عقلنا الباطني الذي يشبه الرادار ويرصد كلّ ما يحيط به، سيدرك أنّنا كتبناها وأنّها لا تزال موجودة، وأنّ الأهداف مدوّنة عليها، ويذكّرنا بها بطريقة غير مباشرة".

من جهة أخرى، كيف يمكن التعامل مع الأهداف التي حاولنا تحقيقها في السنوات السابقة وفشلنا؟ يؤكّد راني على أهمية فهم الظروف الذي كنّا نمرّ بها حينها. ومن الأفضل أن نحاول توصيف العام الماضي بهدف تحديد العراقيل التي واجهتنا، وبالتالي أن نتعامل مع الأمر بطريقة عكسية. ويختم بالقول: "علينا أن نحدّد ماذا تعلّمنا من المرحلة السابقة. فكلّ إحساسٍ أو تجربة نمرّ بها في حياتنا، إنّما تحدث لسببٍ معيّن كي نتعرّف أكثر الى ذواتنا ونختار المعاني التي تفيدنا على الصعيد الإنساني. وحين نتجرّد قليلاً من المادّيات ونحاول اكتشاف أنفسنا وإدراك كيفية التواصل معها بشكل صحيح، حتى لو كنّا داخل كوخ مظلم، سنكون حينها قادرين على تخطّي كلّ المخاوف والشعور بالراحة".


MISS 3