وليد شقير

السيّد حسين و"بناية" الطائف

13 كانون الثاني 2023

02 : 00

بقيت قلة قليلة من الذين يعتبرون أن اتفاق الطائف لم ينفذ بعد، مثلما كان الرئيس الراحل حسين الحسيني يقول. فهناك كثر يدعون إلى تطبيقه، لكنهم بالممارسة ينقضونه عن سابق تصور وتصميم، عبر انتهاك الدستور، وتأجيل إصدار التشريعات اللازمة التي تسمح بترجمته العملية.

«اتفاق الطائف عملية إنشاء مبنى من طبقات عدة، البعض يتصرف على أننا بلغنا الطابق العاشر منها، ليجيز لنفسه الحديث عن إمكان تعديله أو تغييره». جزء من هذا البعض كان ما زال طفلاً أو مراهقاً لا يفقه من الجهد الذي بُذِل من أجل التوصل إليه، أولاً من أجل إنهاء الحرب، وثانياً بهدف انتقال نظام الحكم من إقطاعيات طائفية إلى دولة مدنية تقوم على أساس احترام المواطنة لا الزبائنية والتبعية لزعماء الطوائف. وجزء آخر لم يناسب مصالحه، أن يتدرج تنفيذ «وثيقة الوفاق الوطني»، لأنه سيأكل من رصيده الطائفي، الذي صنعه على قاعدة العصبية الطائفية وبالارتكاز إلى دعم خارجي يهدف إلى مصادرة القرار في السلطة السياسية، وإبقاء النزاعات على الصلاحيات متحكماً بالمؤسسات الدستورية، فينجح في شلها.

«ما زلنا في بناء الأساس» لإنشاء هذا المبنى، كان السيد حسين يردد في وقت تعامل من يريدون العودة إلى ما قبل الطائف معه على أن التنفيذ قد انتهى وقضي الأمر، واستنتجوا أنّ ما أعقب إقراره من إساءة تطبيقه، أو عدم تطبيقه، يعني انتقال البلد إلى التفتيش عن بديل له. هذا مع أن السيد حسين الحسيني كان أول من قال، (ما يردده القادة السياسيون منذ العام 1989) أنّ الاتفاق تسوية تنهي الحرب وتهدف إلى نقل المجموعات المسلحة والتشكيلات الطائفية التي أنشأتها من الاحتكام إلى لغة السلاح والقوة إلى نهج الاحتكام لسلطة القانون ومنطق الدولة بما تعنيه انتظام مؤسساتها على الأصعدة كافة، وليس تسليم الدولة ومؤسساتها إلى الميليشيات كي تعبث بها وتقتطع منها حصصاً وأرباحاً مالية وولاءات لغير القانون، فتقوّض العيش المشترك وتحيله إلى تنافس على نهب المال العام باسم الطائفة والتعبئة الطائفية والمذهبية.

أكثر من عانى من استهداف اتفاق الطائف، وعرقلة وضع نصوصه موضع التطبيق، هو من كان «رئيس لجنة العتالة» في المدينة المعتدلة الطقس في المملكة العربية السعودية، حيث ترأس هو ومجموعة من النواب لجنة كتابة نصوص ما اتفق عليه، في كل مرة كانت الاجتماعات التي عقدت في قصر المؤتمرات، تنتهي إلى التوافق على بند من البنود.

حين أوكلت اللجنة العربية الثلاثية رعاية تنفيذ الطائف إلى سوريا بعد حرب الخليج الأولى التي انشغلت خلالها المملكة العربية السعودية والجزائر والمغرب عن لبنان بتلك الحرب، نالت دمشق حرية الحركة وحصلت على ما يتيح لها تحقيق ما كانت تريد قيادة حزب «البعث» في سوريا، والرئيس الراحل حافظ الأسد تحقيقه، بعيداً من الأعين العربية، أي الهيمنة على قرار لبنان السياسي، واعتماده حديقة خلفية لدور سوريا الإقليمي، وملعباً وساحة للرسائل إلى الغرب. اقتضى الأمر أيضاً إيقاظ الحنين السوري إلى ضم البلد إلى بلاد الشام، وإلى ذلك الاعتقاد بأن استقلاله عام 1920 يعني سلخه أو سلخ جزء كبير منه عنها. هكذا تصرف المسؤولون السوريون حيال البلد، مع إضافة أسلوب الحكم القائم على تسلط أجهزة المخابرات التي تعاملت مع حكام لبنان وسياسييه كما تعاملت مع سياسيي سوريا العريقين، فأبعدتهم وقزّمتهم أو شطبتهم من الوجود، وحولت دمشق إلى واحدة من مدن التصحر السياسي.

هذا كان سبب إبعاد حسين الحسيني عن رئاسة البرلمان وعن مهمة الإصرار على استكمال تطبيق اتفاق الطائف. فمصادرة قرار السلطة المركزية لتحويل البلد إلى فيدرالية طوائف تنهش المؤسسات، وتمنع الانتقال إلى الإلغاء التدريجي للطائفية، كانت تتطلب بين ما تتطلب الاستغناء عمن يسبب «وجع الرأس» بالسعي من أجل إعطاء لبنان فرصة التحول من دولة خرجت من الحرب إلى دولة تبني مستقبلاً صلباً بعيداً من هشاشة الصراعات والتجاذبات الطائفية يومياً.

ليس عن عبث أن استمرت مقاومة سعي «أبو الطائف»، السيد حسين إلى الإبقاء على شعلة الطائف متّقدة، والحؤول دونه وتصويب الممارسة السياسية، إما بالتحالفات أو بالتعبئة المذهبية، وذلك عبر المرحلة الجديدة من إحباط الطائف بعد الانكفاء السوري عن لبنان، والتي تطبعها هيمنة «حزب الله».

ولربما هو نفسه فضّل أخذ المسافة الممكنة، حتى لا يحتك عن قرب بأولئك الذين يمارسون انتهاك الطائف باسم الالتزام به.


MISS 3