طوني فرنسيس

الحسيني المتميّز

14 كانون الثاني 2023

02 : 00

لم يكن إرجاء جلسة انتخاب رئيس للجمهورية التدبير الأنسب لتكريم رحيل الرئيس حسين الحسيني، بل إنّ الإصرار على عقد تلك الجلسة وإنجاحها باختيار رئيس جديد وإنهاء الشغور المتمادي، كان سيشكّل أفضل تأكيد لاحترام الرجل وللجهد الذي بذله طوال حياته السياسية من أجل الدستور والقانون وتكريس أولوية مؤسسات الدولة الشرعية.

منذ انتخابه رئيساً لمجلس النواب في العام 1984 انصرف حسين الحسيني إلى البحث عن تسوية. سعى مع مجموعة من النواب إلى تشكيل حالة وسطية جامعة، ناقش معهم افكاراً، وعندما فُرض الشغور في 1988 واندلعت الحروب التدميرية، وجد أنّ طريق الاتفاق الشامل لا بدّ أن يؤسس للانتقال إلى سلام تقوده المؤسسات الشرعية. كان مؤتمر «الطائف» المناسبة التي أثارها الحسيني بحيوية وحرص، وأعتقد أنّ الأسس التي أرساها اجتماع النواب اللبنانيين ستحكم أسلوب العمل السياسي اللاحق. بسرعة تمّ انتخاب رينيه معوض رئيساً، وبسرعة تمّ اغتياله، ولم يكن سراً يصعب كشفه أنّ الذي اغتال الرئيس إنما أراد اغتيال الإتفاق بين اللبنانيين المتجسّد في وثيقة وفاق والتزام العودة إلى الأصول الدستورية.

منعاً للفراغ وحرصاً على الدستور والأصول سارع الحسيني مع مجموعة من الشخصيات الوطنية إلى استعجال الرئيس الخلف للرئيس الشهيد. وخلال أيام تُحسب بالساعات تمّ تحديد جلسة نيابية انتخب خلالها الياس الهراوي لينتقل الجميع إلى وداع رئيس الطائف الأول.

كانت تلك التجربة المريرة الامتحان الأول لرجل الدولة حسين الحسيني مع صيغة الحكم الجديدة التي أقرّها الإتفاق الوطني، واليوم إذ نستذكرها فلنفهم أكثر معنى حرصه على منع الفراغ والالتزام بالمؤسسة الدستورية ورفض أي خلل يصيب السلطات المنبثقة منها.

أُبعِد الحسيني عن ساحة العمل السياسي تدريجياً لإيمانه بموجبات الدستور لا بحاجات التجييش المذهبي الانقسامي، فكان أن وصل البلد إلى ما وصل إليه. واليوم إذ يلتقي مناهضوه ومحبوه على الإشادة به بعد رحيله، فإنهم يمارسون أقصى الادانات لسلوكهم، فالفريق الذي أسهم في إزاحته إنما يتحدث عن شيء لا يؤمن به، والفريق الذي يتعاطف معه ومع مواقفه وقف صامتاً تجاه خطوته الجريئة يوم استقال من مجلس النواب إثر غزوة أيار واتفاق الدوحة. كانت تلك الاستقالة اعلاناً لموت «الطائف»، وتحذيراً صارخاً من القبول بهذا الموت.


MISS 3