جاد حداد

The Man Who Sold His Skin... دمج غريب بين عالم الفنون وأزمة اللاجئين

14 كانون الثاني 2023

02 : 01

يجمع فيلم The Man Who Sold His Skin (الرجل الذي باع ظهره) للمخرجة والكاتبة كوثر بن هنية بين محاكاة ساخرة للأوساط الفنية النخبوية المخادعة، ونقد واضح للامبالاة غير الإنسانية بأزمة اللاجئين الدولية، مع أن هذين الموضوعَين قد لا يبدوان مترابطَين للوهلة الأولى. يسرد الفيلم قصته عبر مجموعة من التحولات المشوّقة في الأحداث، لكنه يبقى بسيطاً وممتعاً لدرجة أن يفهم المشاهدون السبب الذي جعله يترشّح لجائزة أوسكار عن فئة أفضل فيلم دولي طويل هذه السنة بعد مرور أول عشر دقائق منه.

وراء العنوان المقلق، سنشاهد قصة يسهل فهمها عن لاجئ سوري شغوف وذكي لا يتردد في بذل جميع الجهود اللازمة لتجاوز ظروفه السيئة والاجتماع أخيراً مع حب حياته. تفرض عليه تضحيته أن يحوّل ظهره إلى لوحة قماشية عليها وشم معقّد يَخُطّه رسام عالمي معروف، لكن مثير للجدل، لمجرّد أن يستعيد حرية التنقل حول العالم على شكل قطعة فنية بشرية متحركة. قد يبدو هذا السيناريو غير واقعي، لكن يقال إن بن هنية استوحت هذه الفكرة من عقد حقيقي تم إبرامه في أواخر العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، بين الفنان البلجيكي ويم ديلفوي و"نقّالته" الحيّة تيم ستاينر. بعد أربعين ساعة من رسم الأوشام، ابتكر ديلفوي تحفة فنية مفصّلة على بشرة ستاينر، ثم باعها إلى جامع تُحَف فنية ألماني مقابل مبلغ طائل من الأموال. يقضي الاتفاق المبرم بين الرجلَين بنزع جلد ستاينر وعرضه بعد وفاته.

بالعودة إلى أحداث الفيلم، يكون "سام علي" العفوي (يحيى محيني) من النوع الذي يسهل أن يوافق على هذه الصفقة. هو متيّم بالفتاة "عبير" ذات العيون الزرقاء اللامعة والمنتمية إلى الطبقة العليا (ديا ليان)، لكنه ينفصل عنها فجأةً بسبب سوء تفاهم سياسي مريع ثم يكتشف أنه مضطر للسفر إلى بيروت في أسرع وقت، فيقابل هناك الفنان المشهور عالمياً "جيفري جوديفروي" (كوين دي بو) بالصدفة خلال حفلة اقتحمها بلا دعوة. يعجز "علي" عن تقبّل زواج "عبير" المطيعة من رجل ميسور تحت ضغط عائلتها، فيوافق سريعاً على عرض "جوديفروي" الفوقي ويُطبَع على ظهره رسم ضخم لتأشيرة الشنغن، ثم يبدأ بالتنقل بين معرض وآخر مع "جوديفروي" والتاجرة الفظة "ثريا والدي" (مونيكا بيلوتشي) في المرحلة اللاحقة.

يُعبّر الفيلم عن قِيَمه الإيديولوجية بكل وضوح لدرجة أن يخلو العمل من أي أفكار سياسية مفاجئة. حتى أن المكائد المرافقة لأزمة "سام علي" تبدو مبسّطة أكثر من اللزوم في معظم الأحيان على مستوى التعليقات المرتبطة بالهوية والانتماء الطبقي. ظاهرياً، تحاول بن هنية أن تشدد على نزعة "علي" إلى بيع جزء من إنسانيته وعرض كتابة سياسية دائمة على جسمه أمام أصحاب الامتيازات من باب اليأس ومقابل الحصول على حق إنساني طبيعي. لكن من خلال محاولة تحليل الطابع الاستغلالي للاتفاق المشين الذي يوافق عليه "علي"، يقترب فيلم بن هنية من التحول إلى شكل آخر من الاستغلال المبني على استعمال أزمة اللاجئين لعرض قصة ذكية لكن سطح ية انطلاقاً من حدث يمكن اعتباره مشبوهاً في أفضل الأحوال. كذلك، تقدّم بن هنية صورة شائبة عن الفن المعاصر، علماً أن فيلم The Square (المربع) للمخرج روبن أوستلوند كان قد برع في تقديم هذا الجانب بأسلوب لامع ومتنوع. لكن لا تبدو شهرة الفنان الأساسي ومهاراته مقنعة في هذا الفيلم، مع أن المخرجة تبذل جهوداً قصوى لمنحه أعلى درجات المصداقية، لكنّ جهودها تعطي نتائج عكسية.

في مطلق الأحوال، تتّسم بن هنية بلمسة إخراجية متماسكة ومميزة وتجيد استعمال المواد المتاحة أمامها، ويعوّض هذا الجانب عن جزء من شوائب السيناريو. عملياً، تقدّم المخرجة أفضل أداء لها حين تُركّز على العلاقة الرومانسية بين "علي" و"عبير". تشمل أولى لحظات الفيلم مشهداً جميلاً تم تصويره بأسلوب مدهش، حيث يعترف الثنائي بالحب على متن قطار ثم يقيمان حفلة صغيرة وسط الركاب الآخرين. بالتعاون مع مدير التصوير كريستوفر عون، تثبت بن هنية براعتها في تقديم المؤثرات البصرية في مجالات أخرى أيضاً، فتستعمل ألواناً نابضة بالحياة، وتصاميم سلسة، وانعكاسات مميزة، لتقوية القصة المبنية في جوهرها على موضوع فني. قد لا تكون النتيجة النهائية ثورية بمعنى الكلمة، لكن ينجح الفيلم رغم كل شيء في تقديم محتوى ممتع حيث تحافظ المخرجة على أسلوبها السلس رغم الطريق المتعرج الذي تسلكه القصة.


MISS 3