عماد موسى

بمَ ينصحنا جورج الصايغ؟

17 كانون الثاني 2023

02 : 00

في جلسة استحضار محطات من أعوامنا العتيقة قال لي أحد الأصدقاء/الثوابت: "رزق الله على أيام جورج الصايغ. كنت تمر في أحياء التحويطة والشياح والحدث أيام الآحاد فتملأ رئتيك روائح الشواء الطالعة من الشرفات" عزّ بعد فاقة نعمَ به أهل تلك المناطق وجيرانهم في المتن الشمالي وبيروت الذين وضعوا مدّخراتهم ورواتبهم وأثمان مصاغ زوجاتهم في عهدة الصايغ، وهو بدوره غمرهم بحبّه وفوائده السخية التي راوحت بين الـ 12% و20% شهرياً. من دون أن يسألوا عن كيفية توظيفها. كان الصايغ يستدين بالدولار، ويسدد الفوائد بالعملة الوطنية، وإن أراد المودع عند الإستحقاق السنوي استعادة أمواله، يسترجعها شيكاً بالدولار على ما أذكر. في ذاك الزمن كان الدولار يلعب بين حدَّي الـ 288 ليرة للدولار الواحد و306 ليرات. وكنا نحلم بعودته إلى الليرتين وربع أو الثلاث ليرات إلّاً ربعاً. توسّعت أنشطة الصايغ وشبكة عملائه وبات العلامة الإستثمارية الأولى في البلاد. ماذا يريد المواطن أكثر من ربح سريع وفوائد مغرية وخطر دون مخاطر قذيفة تطيّره أشلاء فوق منقل فحم!

وحل خريف العام 1988 شديد الوطأة على السادة المودعين لدى عملاء الرجل/الأسطورة. طلعت "ريحة" الصايغ بعدما تعذّر عليه سداد المستحقّ عليه لدائنيه. ضربته الإشاعات من كل الإتجاهات، هو الصافي النية والسريرة. فسارع الدائنون إلى وضع شيكاتهم في المصارف فور تسلّمها منه، مستبقين تاريخ الإستحقاق أحياناً بأشهر. وفي مقابلة صحافية يعود تاريخها إلى تشرين الأول 1988 كشف الصايغ أن المسؤول عن المحاسبة لديه، وهو قريب لزوجته، غادر بيروت من دون أن يعلم به أحد وأمل أن يستطيع الأمن العام بواسطة الأنتربول إعادته إلى بيروت، وشارك الصايغ بالأمل آلاف المودعين في مصرفه الجوّال. الأرجح أن قريبه س. ج يمّم شطر كوباكابانا متمتعاً ببحبوحة ورغد عيش. وما فاقم أزمة الصايغ "أن بعض الدائنين عمدوا إلى تزوير في الأعداد، فكانوا يزيدون مثلاً على المائة حرفي السين والتاء فيصبح المبلغ ستمائة ألف ليرة بدل الألف، بحيث أصبحنا ندفع فوائد 700 بالمائة في الشهر الواحد، وقد بلغت السرقة حدود المليار ونصف المليار ( حوالى خمسة ملايين دولار)" ودائماً بحسب السيد الصايغ. بلفنا الرجل وانبلف ثم استأنف حياته على هواه كأن شيئاً لم يكن.

سبق أن كتبت عن مزايا جورج الصايغ التفاضلية في عالم الاستثمار المالي. كتبتُ عنه ولم أفِه حقه. تُرى ماذا يفعل اليوم؟ كيف يعيش؟ وبمَ ينصح واضعي ما تبقى من ليراتهم على كف صيرفة، ومنهم أنا حامل الكيس التعِبُ؟