ريتا ابراهيم فريد

مبادرة "تعوا نتساعد"...عمل الخير يعزّز قدرتنا على الصمود

19 كانون الثاني 2023

02 : 01

تجهيز المساعدات والحصص الغذائية
"تعوا نتساعد" Let’s help each other، بهذه العبارة البسيطة أطلقت رنا عبد الحي مبادرةً إنسانيةً فردية من خلال صفحة خاصة على موقع "فيسبوك"، شكّلت فيها صلة وصلٍ بين من يحتاج الى المساعدة من جهة، وبين أصحاب الأيادي البيضاء من جهة أخرى. تهدف الصفحة بشكلٍ أساسي الى التعاون قدر الإمكان لاجتياز الفترة الصعبة التي تمرّ علينا جميعاً في لبنان. واللافت أنّ هذه المبادرة الفردية نجحت بتأمين المساعدة لمئات الأسر المحتاجة.

تشير رنا في اتصال مع "نداء الوطن" الى أنّ المبادرة انطلقت مع بداية الانتفاضة في لبنان في العام 2019، بالتوازي مع تأزّم الوضع الإقتصادي والضيق الذي كان يزداد يوماً بعد يوم. وتقول: "فكّرتُ حينها بطريقة أساهم فيها بتقديم المساعدة، حتى لو كانت بسيطة وضمن إمكاناتي المتواضعة. فأطلقتُ مجموعة عبر الـ"فيسبوك" بهدف المقايضة بالأغراض أو الموادّ الغذائية أو الملابس". وتضيف أنّ "أوّل طلب للمساعدة كان صرخة تلقّيتها من سيدة تحتاج الى أن تُطعم أطفالها. نشرتُ الصرخة على الـ"فيسبوك"، وحمداً لله استطعنا أن نقف الى جانبها. وأذكر تماماً أننا زرناها عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل لنسلّمها المساعدات. وفي اليوم التالي تلقّيتُ رسائل من عدد من المتبرّعين، بالتوازي مع صرخات أخرى لأشخاص يطلبون المساعدة. وهكذا توسّعت الدائرة وارتفع عدد المنضمّين الى المجموعة".

نحن مجرّد صلة وصلٍ

"لا فضل لنا في أيّ شيء، فنحن مجرّد صلة وصل"، تشدّد رنا. وتضيف: "نتلقّى طلب المساعدة، فنتأكّد من مصداقيّته ونزور الأسرة المعنيّة أو نسأل الجيران في الحيّ أو مختار البلدة، قبل أن ننشر الطلب على صفحتنا على الـ"فيسبوك"، ونصلهم بمن يرغب بتقديم المساعدة من فاعلي الخير. مع الإشارة الى أنّ عدداً كبيراً من الأصدقاء الراغبين بالتطوّع تواصلوا معي. واليوم بات لدينا متطوّعون في جميع المناطق اللبنانية تقريباً. كما أنّنا نتعاون مع مجموعات أخرى وبلديات".

خلال هذه السنوات الثلاث، نجحت مجموعة "تعوا نتساعد" بتأمين الدعم لمئات الحالات الإنسانية، ومعظمها تعيش ضمن ظروفٍ قاسية. لكن ثمّة حالة تركت أثراً كبيراً داخل رنا، حين تواصلت معها سيدة كي تطلب المساعدة لجارتها التي تحتاج الى حليب وحفاضات لطفلها، وتقول: "حين زرناهم لنسلّمهم المساعدة دعتني السيّدة الى منزلها، وتبيّن أنها تسكن مع أسرتها في غرفة صغيرة أسفل المبنى، في ظلّ أوضاع يرثى له. لكنّها رغم صعوبة وضعها، تواصلت معنا كي تطلب المساعدة لجارتها ولم تطلبها لنفسها! وفوراً أطلقنا صرخةً لها، ولاقت تفاعلاً كبيراً".

تدابير الله

لا شكّ في أنّ هذا النوع من العمل الإنساني يستنزف كثيراً من وقت وطاقة المتطوّع، إضافة الى المسؤولية والضغط النفسي، خصوصاً حين يكون على تماسّ مباشر مع صرخات المحتاجين. فما الذي يعطيه الدافع للإستمرار؟ تعترف رنا بأنّها في البداية كانت ترى كوابيس كثيرة حول الحالات الإنسانية التي تتواصل معها، وكان القلق قبل تأمين المساعدات يمنعها من النوم. حتى أيقنت من خلال هذه التجربة أن تدابير الله هي التي تحكم وتسهّل كل شيء حتى لو كان ذلك في آخر لحظة. وتوضح: "نستمدّ طاقتنا من كلّ مرة ننجح فيها بتأمين المساعدة ونسمع على إثرها دعوة جميلة ونلمس تفاعل الناس. وكتّر خير الله إنه سمح لنا بالقيام بهذه الخدمة. وهذا بحدّ ذاته شرف لنا".

العمل الإنساني يعزّز الطاقة الإيجابية

تجدر الإشارة الى أنّ رنا هي مدرّبة حياة دولية ومرشدة أسرية. ومن هذه الزاوية، تحدّثت عن أهمية العمل التطوّعي والمبادرات الإنسانية التي من شأنها أن تساعد من يقوم بها على أن يتخطّى أزماته. وتقول: "كل ما نقدّمه للآخرين سيعود إلينا بطريقة ما. هذا قانون الحياة. والإنسان يستمدّ الطاقة الإيجابية من المساعدة التي يقدّمها للآخرين. فالإبتسامة التي يراها على وجوههم، والدعاء والصلاة على نيّته، تشكّل بحدّ ذاتها أجراً له. كما أنّ الشعور بأنّه عضو فعّال في المجتمع وقادر على إحداث تغييرٍ إيجابي ما حتى لو كان بسيطاً، إنّما يعزّز الثقة بالنفس، فيشعر الإنسان أنّه بات أقوى على الصمود أمام الصعوبات التي تعترضه". وتعتبر رنا أنّ المبادرات الفردية تجسّد مقولة "خير أن تضيء شمعة من أن نلعن الظلام". وكلّ مبادرة هي بحدّ ذاتها شمعة مضاءة في ظلّ الأيام المعتمة التي نمرّ بها اليوم.



متطوعون في مختلف المناطق




التبرّعات لا تقتصر على الأغنياء

هذا وتشير الى أنّ التبرّعات في مجموعة "تعوا نتساعد" لا تقتصر فقط على الأغنياء، بل هناك مواطنون "على قدّ حالهم" يبادرون الى اقتسام اللقمة بينهم وبين المحتاج. وتبيّن أن هناك فاعلي خير كثر، وهذا أمر "بيكبّر القلب". وتضيف أنّ ما لفت نظرها في هذه السنوات الثلاث هو القوّة الهائلة التي تتمتّع بها السيدة اللبنانية، حيث أثبتت أنّها عنصر فعال وخارق على الأرض. فمعظم من يتهافتون لتقديم المساعدة هم من السيدات.

وعن أهمية مواقع التواصل الاجتماعي ودورها بتسهيل التضامن بين بعضنا البعض كشعب لبناني، تقول رنا: "هي سيف ذو حدّين، ونحن من يقرّر كيفية استعماله. وقد تبيّن من خلال هذه الأزمة أنّ مواقع التواصل هي سلاح قوي يعود بمنفعة كبيرة على المجتمع، شرط أن يوضع بين الأيادي الصحيحة ويُستعمل للخير والمصلحة العامّة".


MISS 3