بشارة شربل

الرئاسة والعدالة... معركة خيارات

20 كانون الثاني 2023

02 : 00

أول "تهنئة" بوصول الدولار الى خمسين ألف ليرة يجب أن توجَّه الى الرئيس نبيه بري. فأسلوب إدارته جلسات انتخاب رئيس للجمهورية، واجتهاداته الدستورية في احتساب النصاب، وتزجيته الوقت في الدعوة الى الحوار في انتظار أن يهبط الوحي على حليفه "حزب الله" ومن ورائه طهران، عوامل كفيلة ليست بتطيير الدولار بل ربما تطيير لبنان وسلمه الأهلي ووحدة الكيان. وعندها ستشمل "التهنئة" لبنان المقيم والمهاجر على السواء، وستنعم الطوائف كلّها بلا استثناء بالعزّة والكرامة وراحة البال!

ليس من عاقلٍ راقبَ ساحة النجمة أمس إلا واستشعر الخطر الداهم. أهالي ضحايا المرفأ يرفعون صور أبنائهم مطالبين بالعدالة التي يفرملها البرلمان بتخاذله عن فكّ أسر المؤسسات الدستورية، قبل أن يعوِّقها تقنياً في "العدلية" أتباع منظومة باعوا ضمائرهم على مذبح الطائفية والمذهبية والاستزلام، فيما يرفع أصحاب الأوراق البيض والشعارات الثرثارة ورقة التعطيل، أو الابتزاز المباشر وفحواه: تعالوا نتوافق على مرشحنا الذي يرْشح زيتَ الانحياز ويفوح بخورُ ولائه للخط الممانع، ونَعِدكم، رغم ذلك، بأنه سيكون لكل لبنان، وصديقاً للرياض، ونداً لدمشق وطهران.

مرة جديدة يجب مناشدة رئيس المجلس حامل مفاتيح السلطة الأساسية أن يستشف روح لبنان من ذكرى سلفه الرئيس حسين الحسيني والإجماع الوطني الذي تظهَّر في عزائه فيوقف المهزلة ويضع حداً للعب فريقه على حافة السلم الأهلي. فلبنان "أدى قسطه للعلى" من عذابات الانقسامات والحروب الأهلية، ويستحق أن يعود دولة طبيعية عادية لا فضل للبنانيّ فيها على آخر إلا بقدر احترامه الدستور ودولة القانون ومساهمته في رفع مستوى الناس.

كل التقدير للنائبين ملحم خلف ونجاة صليبا. مبادرتهما للاعتصام في المجلس ترمي حجراً في مستنقع العملية السياسية الراكدة بتفسيرات الذين يعتقدون بأنّ المنظومة قادرة على تجديد نفسها بفائض قوتها غير الشرعية، وتسخيرها أدوات الدولة، وإصرارها على مبدأ الإفلات من العقاب. ولا يظنن أحدٌ أن منعَ الوصول الى رئيس إنقاذي يستعيد الدولة من خاطفيها، ومحاولةَ تكرار تجربة ميشال عون، منفصلان عن سياق مستمر منذ الانقلاب على الطائف، ومحوره النكوص عن التوازن الطائفي والمؤسساتي والوطني وتكريس تقاليد تحوِّل اللعبة الديموقراطية الى غطاء للديكتاتورية، وعدالةَ القضاء وجهةَ نظر سياسية، والجريمة مجرد حادث عرضي أو مؤامرة دولية.

تجربة وليم نون مع أمن الدولة قبل أيام نموذج لما تخبئه هذه السلطة لمن يطالب بكشف حقيقة "تفجير النيترات" ومحاسبة المهملين والمقصرين عن جريمة لا يمكن أن تدخل في النسيان، ودرسٌ لمن يعتقد بأن التساهل في انتخابات الرئاسة لمصلحة الإتيان برئيس من 8 آذار أو بلا لون وطعم وإرادة وطنية خالصة، يمكنه وقف الارتكابات وتصحيح ميزان العدالة ووضع حجر أساس للنهوض بلبنان. لذلك فإن حسابات الرئاسة لا تُعَدُّ فقط بالأصوات، مثلما أن مصير التحقيق العدلي لا يقتصر على وقف الابتزاز بالمخاصمات ورد القضاة. إنها معركة خيارات وطنية كبرى بدأت في 14 آذار، وتطوّرت في 17 تشرين، وإحدى مراحلها اليوم انتفاضة الاعتصام في البرلمان والتمسك بالعدالة لضحايا 4 آب. أما حمايتها فواجب الشارع وكلّ الناس.


MISS 3