الرّاعي للنوّاب والوزراء: أنتم مسؤولون عن وصمة العار الّتي تلحقُ بلبنان

11 : 53

 توجّه البطريرك المارونيّ مار بشارة بطرس الرّاعي، في عظة الأحد، إلى المسؤولين بالقول: "أنتم يا نوّاب الأمّة وأيها الوزراء مسؤولون عن وصمة العار الجديدة التي تلحق بلبنان من خلال أدائكم غير المقبول، وفقدان لبنان حقّ التصويت في الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة، المكوّنة من 193 عضواً، بسبب عدم سداد مستحقّات الدّولة اللبنانيّة البالغة ما لا يقلُّ عن مليونَي دولار. ويكبرُ حجم مسؤوليّتكم بكون لبنان بلداً مؤسّساً للأمم المتّحدة، ومشاركاً في وضع شرعتها وشرعة حقوق الإنسان، وقد مثّله آنذاك وجهٌ عالميّ ناصع هو شارل مالك. ويَظهرُ أنَّ وقفَ سدادِ المستحقّات اللبنانيّة لا يقتصرُ فقط على منظّمةِ الأمم المتحدة، بل يَشمل أيضاً منظماتٍ عربيّةً ودُوليّةً ينتمي إليها لبنان. فإذا كان الأمرُ مقصوداً فالخطيئةُ عظيمةٌ، وإذا كان سهواً فالخطيئةُ أعظم.


وسأل: "ألا تخجلون من نفوسكم، يا شاغلي مجلس النّواب ومجلس الوزراء أمام منظمّة الأمم المتّحدة وإنجازاتها لصالح لبنان؟".


وأشار إلى أنّ منظّمة الأمم المتّحدة أقامَت في لبنانَ مركزاً لعددٍ من المنظّماتِ والمؤسّسات التابعة لها، واعتمدت مندوبيّةً دائمةً للوقوف عند حاجات لبنان. وأصدرت ما لا يقلُّ عن أربعين قراراً أمميّاً بشأنِه، بما فيها تَبنّي "إعلان بعبدا" وتشكيل "مجموعةِ الدعمِ الدوليّة للبنان".


وذكّر أنّه "منذ سنة 1978، أرسلت قوّات دوليّة لحفظ السلام في جنوب لبنان استناداً إلى القرارَين 425 و426 من أجل تأمين انسحاب القوّات الإسرائيليّة من الجنوب وتوفير الظروف الميْدانيّة لأن تبسطَ الدولةُ اللبنانيّةُ وحدَها سلطتها على كاملِ أراضيه. ثم تَعدلت مُهمّتُها بعد حربِ سنة 1982 وبعد حرب 2006 على أساس القرار 1701 الذي لا يزال من دون التنفيذ الصحيح".


ولفت الى أنّ اليوم في لبنان، يخدم 3800 ضابطٍ وجنديٍّ دوليٍّ يُمثّلون 48 دولةً وسطَ أخطارٍ يوميّةٍ كان آخَرها اغتيالُ الجنديِّ الإيرلنديِّ في بلدة العاقبية في الجنوب.


كما وسأل البطريرك الراعي: "كيف للدولةِ اللبنانيّةِ والحالة هذه أن تَتوسَّلَ التجديدَ للقوّاتِ الدُوليةِ في الجنوبِ ولا تَدفع مستحقّاتِها للأممِ المتحدة؟ وكيف للدولةِ اللبنانيّة بعد اليوم أن تَتقدّمَ بشكاوى أمامَ الأممِ المتّحدة وتُطالبها بتنفيذِ قراراتِها المتعلّقةِ بلبنان ولا يحقُّ لها التصويت؟ كيف نناشدها إكمال مهمَّتها في الاتفاق الثنائيّ بين لبنان وإسرائيل حول الطاقة وترسيم الحدودِ الجنوبيّة؟ كيف نُطالبها بمواصلة تقديم المساعدات الإنسانيّة والمعيشيّة والتربويّة؟ كيف نُطالبها بهذا وبغيره ولا ندفعُ مستحقاتِنا لها؟".


وأكّد أنّه "في هذا الوقت يَستمرُّ الشغورُ الرئاسيّ، ولم تؤدِ المساعي الداخليّة والدولية إلى إحرازِ تقدّمٍ فعليٍّ نحو انتخابِ رئيس جديد. بل نرى أنَّ المواقفَ بين المحاور الداخلية ذات الامتدادِ الخارجيِّ تَتباعد أكثرَ فأكثر، وتُلهي الرأيَ العام بموضوعِ الحكومة. ونحن قلنا منذ اليوم الأوّل لنهاية العهد، إنّ هذه الحكومة مستقيلةٌ ومهمّتُها تصريف الأعمال ومن واجبها التفاهم حول تفسير تصريف الأعمال لئلا تخلقَ إشكاليّاتٍ نحن بغنى عنها".


كما وأكّد أنّ "الحكومة عملها محصورٌ بالمحافظة على الحدّ الأدنى من تسيير شؤون المواطنين الضاغطة ومنع سقوط الدولة نهائيّاً، خصوصاً وأنَّ مهزلةَ جلساتِ انتخاب رئيس للجمهورية لا تزال مستمرّة، وقرار عقدها وفقاً للدستور، مسلوب. ويترافق كلّ ذلك مع انهيارٍ صارخٍ لسعرِ العملات بحيث تجاوز سعر الدولار الخمسين ألف ليرة لبنانيّة. وناهز سعر صفيحة البنزين المليون ليرة وتضاعفت أسعار الموادّ الغذائيّة والطبيّة بعشرات الأضعاف. فكيف سيعيشُ هذا الشعب؟ فكيف سيعيش الشعب؟ كيف سيأكل ويشرب ويتغذى ويعمل ويقبض أَجره ويتداوى؟ وهل تشعرون به أيّها المؤتمنون على المسؤوليّة؟ خوفنا أنّكم تشعرون ولكنّكم تريدون لهذا الشعب هذه التعاسة لغرض في نفوسكم!".


وقال الراعي في عظته: "رغم ذلك لا تزالُ القوى السياسيّةُ تتقاذفُ الاستحقاقَ الرئاسيّ وتَمتنعُ عن انتخاب رئيس جديدٍ يصمد أمامَ الصعابِ ويَرفضُ الإملاءات ويحافظُ على الخصوصيّة اللبنانيّة"، مؤكداً أن "ليس خوفُنا أن تَتغيّرَ هُويّة رئيس الجُمهوريّة المارونيّة وطائفته، بل أن تَتغير سياستُه ومبادئه ويَلتحق بسياسيات ومحاورَ ودولٍ تُجاهد ليلاً ونهاراً للسيطرة على البلادِ وتحويلِه إقليماً من أقاليمِها، لكنَّ هذا الأمر مستحيلٌ لأنَّ قرارَ التصديّ لتغيير هُويّة الرئيس وكيان لبنان مأخوذٌ سَلفاً مهما كانت التّضحيات ولا يَظُنَّن أحدٌ أنه قادرٌ على تغييرِ هذا التراثِ التاريخيّ وهذه الخصوصيّةِ الوطنيّة".


وشدّد الراعي على أنّه "يُخطئ من يَظنُّ أنّهُ يستطيعُ خطفَ رئاسةِ الجمهوريّة اللبنانيّة وأخذها رهينةً ويطلب فديةً لإطلاقِ سراحها. لسنا شعبَ الفديات بل نحن شعب الفداء.. في هذا السياق إنّ القوى الوطنيَّة السياديَّة أكانت مسيحية أو مسلمة، مدعوّة للاتحاد وتشكيل هيئة مشتركة تدافع عن لبنان ليتأكد العالم أن شعب لبنان مصمم على الحياة معاً". 

MISS 3