خالد أبو شقرا

الإصلاحات البنيوية مؤجّلة... والأزمة "نار على نار"

دمْج المصارف... على لائحة الانتظار

3 شباط 2020

02 : 00

الدمج في الوقت الراهن سيكون تجميعاً للمشاكل
إرتقى موضوع "دمج المصارف" في الآونة الأخيرة إلى مرتبة الحل المنشود، لتخفيف الضغط عن المصارف أولاً ومن بعدها عن جمهور المودعين. الخطوة التي شجّع عليها مصرف لبنان منذ نهاية عقد التسعينات، تُعتبر أكثر من ضرورية، لكن هل نضجت الفكرة فعلياً؟ وهل سينتج عن عمليات الدمج الإيجابيات والإصلاحات المرجوّة أم تكون تجميعاً للمشاكل وتوسيعاً لرقعة الأزمة؟

كان يمكن لدمج المصارف أن يُشكّل "ضربة معلّم" لو تمّ قبل العام 2008. فهذا العام يُعتبر مفصلياً بالنسبة للإقتصاد اللبناني. ما قبله ليس كما بعده. والكل يعلم ان الإصلاح شيء إذا أتى استناداً الى رؤية وقرار استراتيجي، وشيء آخر إذا فرض قسراً بداعي الخيار الوحيد المتاح.

منذ أعوام، وتحديداً في العام 2008 كانت المصارف اللبنانية تشهد أوج مجدها، لناحية الثقة وحجم الودائع والسيولة الموجودة وتوفر الإحتياطيات الإلزامية. أما بعد الـ 2008 بقليل فقد بدأ الإقتصاد يترنّح على وقع ضربات عجز ميزان المدفوعات واستمرار تغييب الإصلاحات، واضطرار مصرف لبنان إلى جذب ودائع المصارف "الدولارية" مقابل فوائد خيالية، وتقديمها على "صينية من ذهب" لتمويل عجز الدولة، وإحلالها مكان الإصلاحات المنشودة.

المساواة في المصيبة

تتطلّب عمليات الدمج نقل جميع موجودات وحقوق ومطلوبات والتزامات المصرف المدموج الى موجودات وحقـوق ومطلوبـات والتزامات مصرف آخر يُسمّى المصرف الدامج. وهي تفترض بالمنطق أن يكون المصرف الدامج مليئاً والمدموج أقل ملاءة أو متعثراً. لكن في الحالة الراهنة للقطاع المصرفي اللبناني، حيث تحولت المصارف إلى شبابيك لسحب الدولار وانحسرت نسبة الاموال الوافدة اليها، "أصبحت كل البنوك متساوية في المصيبة نفسها، وهي النقص الكبير في الأوراق المالية Banknotes. وهذا ما يظهره بوضوح تخفيض سقف السحب الإسبوعي بالدولار، حتى وصل في بعض البنوك إلى 100 دولار أسبوعياً"، يقول المحامي المتخصص في القانون المصرفي والمالي عماد الخازن.

مشكلة أخرى لا تقلّ أهمية، ستمتص كل الفوائد التي من الممكن أن تتأتى من أي عملية دمج مرتقبة، وهي عدم قدرة المصارف اللبنانية في الوقت الراهن على الإيفاء بالتزاماتها تجاه المصارف المراسلة في الخارج، وهو الأمر الذي أوقع الشركات والمستوردين اللبنانيين في مشكلة عدم القدرة على سداد مدفوعاتهم المعلقة، أو تحويل المبالغ التي دفعتها عنهم المصارف المراسلة في الخارج. ما اضطر مصرف لبنان إلى التدخل أكثر مرة لتقديم الضمانات وإعطاء التسهيلات للحد قدر الامكان من المشاكل.

النقطة الثالثة والتي من الممكن ان تُعيق حلم الدمج هي أن قانون "تسهيل إندماج المصارف" الذي صدر العام 1993 تحت الرقم 192 ينص على انه، "يمكن للمجلس المركزي لمصرف لبنان عند الضرورة ان يمنح المصرف الدامج القروض اللازمة، بشروط ميسرة يتم الاتفاق عليها بموجب عقد بين مصرف لبنان والمصرف الدامج". وكما يمكن للمركزي "أن يُعفي المـصرف الدامج من ضريبة الدخل بمبلغ يساوي العبء الـضريبي المترتّـب علـى جزء من أرباحه، شرط ألّا يتعدّى هذا الجزء كلفة عملية الاندماج وضمن حد أقـصى لا يتعدّى ملياري ليرة لبنانية، وذلك بعد الحصول على موافقة مـصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف. وتثبت دوائر وزارة المال المعنية، ان قيمة الإعفاءات المذكورة في هذه المادة يجب ان تزاد حال تحققها من رأس مال المصرف الناتج عن الاندماج، تحت طائلة سقوط الحق حكماً بهذه الإعفاءات إذا لم تتم عملية زيادة رأس المال خلال ستة اشهر، من تاريخ موافقة المجلـس المركـزي لمصرف لبنان على هذه الزيادة". فهل باستطاعة "المركزي" في هذا الوقت تقديم الدعم لعمليات دمج تقدّر بالعشرات؟ والأهم هل المصارف الدامجة قادرة على رفع رساميلها، وهي العاجزة بأكثريتها لغاية اللحظة عن تلبية طلب الحاكم بزيادة اموالها الأساسية بنسبة 20 في المئة، التي من المفروض ان تخصّص لتغطية الخسائر وتلبية طلبات المودعين؟الدمج حاجة مؤجّلة

الإيحاء بقرب عمليات الدمج يهدف إلى تخفيف الانكشاف تجاه المواطنين والقول أن الحلول متوفّرة. وبحسب الخازن فإن "هذه العملية التي تُعتبر أكثر من ضرورية بسبب عدد المصارف والفروع بالمقارنة مع عدد السكان، لا تتحقّق في كبسة زرّ وهي بحاجة إلى دراسات وإجراءات تتطلّب أشهراً وربما سنوات".

ما نضج في العام 2011 سقط من دون أن يُستثمر، لتعود وتنمو في القطاع المصرفي ثمرة جديدة ما زالت "فجة"، يتطلّب نضوجها لتصبح متوافقة مع عمليات الدمج ومتطابقة مع الحاجة إلى تخفيض عدد المصارف، أن تأتي من ضمن إصلاحات جدّية وجديدة عبر صندوق النقد الدولي، تطاول جميع القطاعات ومن ضمنها القطاع المصرفي. عندها يصبح الدمج حلاًّ وليس تجميعاً للمشاكل.


MISS 3