بشارة شربل

عبرة عادلة من الصفقة الظالمة

3 شباط 2020

02 : 00

إنه "التوطين"، فزَّاعة دائمة. هاجس لدى قسم من اللبنانيين وخصوصاً المسيحيين، وذريعة لدى القسم الآخر وأكثريته من المسلمين والممانعين. وهو يستفيق مع "صفقة العصر".

وإذ لم تقدم "الصفقة" شيئاً في ملف عودة اللاجئين، بل إنّ جوهرها التنكّر لهذا الحق الأصلي، ففي يَد فلسطينيي لبنان تحديداً خيار الانتقال من مرحلة الانتظار المأسوي المديد الممزوج بالاحتجاجات ورفض المؤامرات إلى مرحلة العيش الكريم في أماكن الشتات، على أمل أن يبزغ فجرُ حلٍ عادلٍ يوماً ما.

يمكن للجميع التنديد بالصفقة المشينة والتظاهر في عوكر أو غيرها ليلاً ونهاراً للتأكيد على ثوابت "السلطة الفلسطينية" أو التمسك بتحرير فلسطين "من البحر إلى النهر". لكن، بعيداً من الهواجس وردود الفعل الغاضبة، أمام الفلسطينيين والدولة اللبنانية فرصة حقيقية لاستخلاص عبرة من "الصفقة" الأميركية - الإسرائيلية تسهم في رفع الظلم عن الدولة وسكان المخيمات على السواء.

يعلم الفلسطينيون بقَدر عِلم اللبنانيين حجم الجرائم التي ارتكبت تحت راية "الكفاح المسلح" و"الدفاع عن فلسطين". ولا ضرورة لفتح جروح "الحرب الأهلية" في لبنان ولا سائر الحروب التي كان الفلسطينيون طرفاً فيها أو ضحيتها. هذه صفحات طويت. لذلك حان الوقت ليأخذ كل طرف حقه. فتستعيد الدولة سيادتها على المخيمات ويحصل الفلسطينيون على حقهم في العيش اللائق تحت سقف القانون.

ولأن السلاح الفلسطيني في المخيمات لم يعُد عنصراً أساسياً في المعادلات الداخلية، بعدما تولّى الريادة سلاح "حزب الله" وحلَّت "سرايا المقاومة" محل "أنصار فتح"، فضروري أن يقتنع الفلسطينيون بعدم جدواه أيضاً في مقارعة إسرائيل انطلاقاً من لبنان، وبأنه صار أداة لحماية الموبقات وترويع الآمنين و"استضافة" المتطرّفين المارقين.

عودة الحياة غير المسلّحة إلى المخيمات ستضعف حتماً حجج العنصريين الكارهين كل ما يتعلق باللاجئين وحقوقهم، مثلما يلغي مزايدات القوى اللبنانية "القومجية والوطنجية" التي تواطأت مع سلطة الوصاية السورية على اضطهاد المخيمات، من خلال الحصار وتضييق المعاملات والشطب من السجلات ومنع إدخال المواد لسدّ ثقوب جدران يدخل منها الشتاء. وهي عودة يجب أن تترافق مع مكاسب اجتماعية وحقوق إضافية في مجالات العمل وخدمات انمائية تخفف عبء اللجوء وشظف العيش.

سيقال إنه "التوطين" وتنفيذ المؤامرة. لا بأس. فليأتِ الرافضون بكلام مفيد مغاير للشعارات كي يتم العدول عن أي اقتراح. أما أن تكون مقاومة التوطين وصفقة ترامب - نتنياهو مرادفاً لاستمرار استغلال التعتير، فهو ما يجب أن يجرؤ الفلسطينيون أولاً على فضحه وبالفم الملآن.