تتابع روسيا تطوّرات الشرق الأوسط من بوّابة حفظ الدور والوجود، بينما ينصبّ اهتمامها على الحرب الدائرة في أوكرانيا ومسارها الذي بدأ يستنزف قوّتها. تريد موسكو حسم المعركة الأوكرانية اليوم قبل الغد، وتؤكد مصادر دبلوماسية مطّلعة على الموقف الروسي أنّ الرئيس فلاديمير بوتين سيحاول حسم المعركة في وقت قريب وتحقيق انتصارات إستراتيجية، لكنّ المفاجأة هي في حجم التسليح الغربي للأوكرانيين، فكلّما رفع الروس مستوى الهجوم استخدم الجيش الأوكراني أنواع أسلحة حديثة ومتطوّرة.
ويتصدّر الشقّ العسكريّ إهتمامات العالم، لكن ما يهمّ لبنان والشرق هو مدى تأثير الحرب الروسية - الأوكرانية على الدول الشرق- أوسطية، وكيف ستتطوّر الملفات المطروحة. ويعاني لبنان أزمة مالية وسياسية حادّة، وينتظر أيّ تطوّر إقليمي ودولي ربما يأتي الحلّ على جناحيه، لكنّ الإهتمام الأميركي بالحرب الأوكرانية بطّأ عجلة المفاوضات النووية مع إيران، وبالتالي لقدّ تأثّر لبنان حكماً بهذا المعطى.
ومن جهة ثانية، يحتاج الحلّ في سوريا إلى توافق أميركي- روسي بالدرجة الأولى وهذا التوافق لم يظهر حتى الساعة، بل يزداد التباعد أكثر وأكثر، وسينعكس حلّ الأزمة السورية إيجاباً على الأرض اللبنانية ويساعد على إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم عدا عن المكاسب السياسية للبنان من وراء أي حلحلة شاملة.
وفي جديد الموقف الروسي هو ما علمت به «نداء الوطن» خلال اجتماع لوزير خارجية روسيا سيرغي لافروف مع وفد دبلوماسي بعيداً عن الإعلام، تناول الأوضاع العامة وكان لافتاً ما أدلى به عن لبنان. إذ يعتبر لافروف أنّ الأوضاع في سوريا معقّدة جداً ومن الصعب نجاح محاولات روسيا مع إيران وتركيا لإيجاد حلّ سياسي عبر «استانة»، من دون تكثيف الجهود الدولية.
وتعمل روسيا كثيراً على تقريب المسافات بين تركيا وسوريا بعد اجتماع وزراء الدفاع، وهناك محاولات جدية لجمع وزيري خارجية كل من أنقرة ودمشق في موسكو بحضور لافروف ليتبعه لقاء قمة لكن من دون تحديد لافروف أي تاريخ ولو أنّه يطمح إلى حصوله خلال أسابيع.
ويؤكد لافروف ضرورة إبرام الإتفاق النووي الإيراني ليس فقط لأمن المنطقة بل للاستقرار العالمي، ويتّهم واشنطن بعرقلة الاتفاق ويدعو الدول العربية إلى مزيد من التفاهمات مع إيران لأنّها دولة كبرى ولأنّ الطرفين لهما مصلحة في ذلك. لكن ما هو لافت دعوة لافروف طهران لكي لا تقدم على سياسات تزعج الدول العربية أو تهدّد أمنها.
ويكشف لافروف عن مستوى توتّر العلاقات مع واشنطن والذي هو أعلى مستوى توتّر منذ عشرات السنوات، مؤكداً استمرار بلاده بالحرب في أوكرانيا لتحقيق الأهداف الروسية المتمثلة ببسط السيطرة على كامل مناطق شرق أوكرانيا، بعدما احتلّ الروس سبعين في المئة حالياً من تلك المناطق.
قبل اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية كان لموسكو موقف ثابت من التطوّرات اللبنانية، إذ كانت تدعو دائماً إلى حفظ أمن لبنان واستقراره، وتتخوّف من أن تشتعل نيران أزمة جديدة على أرضه، لأن أزمة كهذه قد تنتقل سريعاً إلى سوريا وتهدّد المراكز والقواعد الروسية هناك. وزاد إصرار الروس على هذا الموقف بعد اندلاع الحرب الأوكرانية لكونها تفضّل عدم اشتعال جبهة أخرى قد تنشغل بها.
وعند وصول حديثه مع الدبلوماسيين إلى لبنان، سأل لافروف واحداً من ضيوفه ما إذا كان هناك أي جديد. وعندما طُرح عليه تقديم المساعدة الروسية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، أجاب بابتسامة وقال: هذا الملف شأن داخلي لبناني، وليتّفق اللبنانيون بين بعضهم البعض على الرئيس ويبلغوننا به، لكننا لن نتدخّل في هذا الإستحقاق المحلّي.
في الإستنتاج العام لجلسة لافروف وللمعلومات من موسكو، يفضّل الروس عدم الإنغماس في الوحول اللبنانية بل يدعون إلى إجراء الحوار بين جميع الأفرقاء والتوافق من أجل مصلحة البلد والقيام بالإصلاحات الضرورية من أجل وقف مسلسل الإنهيار. ولا تفضّل موسكو أي مرشح رئاسي على آخر، ولا تزال مصرّة على عدم الدخول ببزار الأسماء المرشحة لأن من سيُطرح اسمه حالياً سيُحرق وروسيا لا تقف مع مرشّح ضدّ آخر.
ومن جهة ثانية، يبدي الروس تفهّمهم الواقع اللبناني، وهم يؤكدون عدم قدرة البلد على الخروج عن المظلة الأميركية بسبب الإرتباطات التاريخية مع الغرب والمساعدات الأميركية والغربية التي تصل إليه، لذلك لا يطالب الروس برئيس معادٍ لأميركا والغرب، وأقصى تمنّياتهم هو انتخاب رئيس يحترم التوازنات الدولية ولا يشكل رأس حربة للأميركيين في مواجهة روسيا ومصالحها.