جاد حداد

Narvik: Hitler's First Defeat... عودة إلى معركة "نارفيك" في الحرب العالمية الثانية

31 كانون الثاني 2023

02 : 01

تكثر القصص الجاذبة التي تستحق أن يعرفها الناس، منها قصة غارة جوية لم تُحقق هدفها في كوبنهاغن (فيلم Bombardment (القصف))، أو تحرير بلدة "نارفيك" النروجية لفترة قصيرة خلال أحلك الساعات التي عاشتها قوات الحلفاء في ربيع العام 1940. تنفق شبكة "نتفليكس" في هذه الأيام أموالها بأذكى طريقة لعرض هذا النوع من الدروس التاريخية المؤثرة من خلال أفلام تحصد شعبية واسعة.

يتطرق الفيلم النروجي Narvik: Hitler’s First Defeat (نارفيك: أول هزيمة لهتلر) إلى طريقة انتهاك حياد النروج من جانب الألمان وأطراف أخرى، ويتناول أسلوب الإكراه الذي استعمله الأشخاص الصالحون أيضاً في خضم نضالهم اليائس لمنع تحويل خام الحديد السويدي إلى دبابات ألمانية.

إنه فيلم تشويق جاذب ومتماسك ومليء بمشاهد الحركة، وتبدأ أحداثه بخوض مفاوضات شاقة واندلاع مواجهات محتدمة في المدينة المرفئية النروجية حيث كان خام الحديد السويدي يُشحَن إلى الألمان والبريطانيين معاً، فيتّضح لنا حينها الفرق بين النروجيين الذين اختاروا الاستسلام "لإنقاذ البلدة" ومن فضّلوا متابعة القتال. تتمحور الحبكة الرئيسية والفرعية حول هذا التحليل الوثيق والشخصي للجهود التي بذلها النروجيون وقوات الحلفاء لاسترجاع المدينة من الألمان. يُذكّرنا التاريخ دوماً بأن هذه المعركة كانت عقيمة. لكن قال المؤرخ ديفيد ماكولوغ يوماً: "الشخص الذي يدخل التاريخ لا يعرف مسار تطور الأحداث التي يعيشها". ينطبق ذلك أيضاً على الضباط الذين يقودون المعركة، والمدنيين الذين يتخبطون للنجاة من المذابح التي تستهدفهم أو تحيط بهم من جميع الاتجاهات.

تولى إريك سكجولدبيارغ إخراج فيلم التشويق القتالي، وهو يعطي طابعاً شخصياً للقصة عبر التركيز على العريف النروجي "غونار" (كارل مارتن إيغيسبو)، عضو في قوات الحراسة التي يرفض قائدها (هنريك ميستاد) الاستسلام. كان هذا الأخير في شبابه يعمل في سكة حديد مع والده، ما يعني أنه يتمتع بالخبرة الكافية لاستعمال المتفجرات.

فيما تسير وحدته إلى خارج البلدة تحت تهديد الأسلحة الألمانية، تتعرض "إنغريد"، وهي زوجة "غونار" التي تعمل كنادلة في فندق (كريستين هارتغن)، للضغوط كي تصبح مترجمة للألمان، لكنها تضطر أيضاً لمساعدة قنصل بريطاني محلي على الهرب من مخالب العدو، فتقوم بإخفائه وتتورط في عمليات استخبارية شائكة.

بما أن قوات الحلفاء لا تستطيع تحمّل كلفة التخلي عن خام الحديد السويدي ووصول النروج إليه، يقوم البريطانيون بزرع الألغام في الميناء. وعندما يهاجم الألمان النروج، تحضر البحرية الملكية مع القوات الفرنسية والبولندية لمساعدة النروجيين على استرجاع تلك المساحة.

ينجح سيناريو كريستوفر غروندال في تقديم معظم الشخصيات والمسؤولين القوميين وكأنهم عالقون في معركة رمادية الظلال.

لا يكتفي السويديون المحايدون مثلاً بشحن خام الحديد إلى المشترين فحسب، بل إنهم يزوّدون الألمان بالذخائر أيضاً. راح البريطانيون ينتهكون حياد النروج بقدر الألمان من وقتٍ لآخر.

في المقابل، لم يكن النروجيون يتمتعون بالشجاعة الكافية للقتال رغم وحدتهم الظاهرية. أنتجت الحرب شعارات عالمية كثيرة، أولها مصطلح Quisling الذي يعني "الخائن" بسبب النازيين النروجيين الذين شاركوا في تسليم البلد إلى الألمان.

لكنّ الشخصيات الوحيدة التي لا تُعتبر "رمادية" في هذه القصة تحمل بدورها طابعاً مبهماً. يذكّرنا هذا الفيلم بأن أحداً لا يدخل في خانة النازيين "الصالحين" أو "الأخيار"، لا ماضياً ولا حاضراً.

على غرار معظم أفلام الحرب، يعمد صانعو العمل في نهاية المطاف إلى تبسيط سياسات الصمود القاتمة تحت الاحتلال بدرجة مفرطة. سيكتشف كل من يحاول إنقاذ نفسه وعائلته وأولاده أن مظاهر "حب الوطن" و"التضحيات الوطنية" هي مشاعر منمقة قد تجعل الناس يخسرون حياتهم في النهاية.

كان سكجولدبيارغ قد أخرج أفلام تشويق نروجية مثل Pioneer (الرائد) و Pyromaniac(هوس الاشتعال)، وهو يستخرج أعلى درجات التشويق من المواجهات ومشاهد الحركة الصاخبة خلال المعارك والمحاولات المحتدمة لتفجير أحد الجسور بالديناميت. يمكن تقييم أداء مخرج أفلام التشويق القتالية من خلال قدرته على التعامل مع مشاهد الأسلحة والمعارك الشائكة، ويتجاوز سكجولدبيارغ هذا الاختبار بسلاسة.

تعرض لنا الخلفيات الرقمية المقنعة البلدة الصغيرة بالشكل الذي كانت عليه في العام 1940، فتدور معظم المعارك تحت سماء رمادية، وسط ثلوج كثيفة، في شهر نيسان وبداية أيار.

أخيراً، يشمل الفيلم بعض التعابير عن حب الوطن في النروج، وهذا الجانب بالذات يجعل العمل مختلفاً عن مئات أفلام التشويق السابقة التي تتناول أحداث الحرب العالمية الثانية.

ينجح سكجولدبيارغ وغروندال في بث مشاعر مختلطة تجمع بين الحنين والمرارة. ورغم جميع الخرائط والاستراتيجيات والدروس الجيوسياسية التي يمكن تعلّمها من الحرب العالمية الثانية، يحرص صانعو العمل على تذكيرنا بأن أهم الأحداث الشائكة كانت مسألة حياة أو موت، ولا وجود لأي جانب رومانسي في هذه القصة.

بغض النظر عن طبيعة الأعمال الأخرى التي تنتجها "نتفليكس" في هذه الفترة، من الواضح أنها تحقق نجاحاً لافتاً عبر الأفلام القتالية الاسكندنافية التي تتمحور حول الحرب العالمية الثانية.


MISS 3