تشي أحوال "فيسبوك"، في لبنان، أنّها تغيّرت عن الحال التي بدأ الانتشار بها في نهاية العام 2010 ومطلع 2011.
آنذاك، اندفع لبنانيون ولبنانيّات إلى هذه المنصّة لمرافقة "الربيع العربي".
وأوّل ما نطقوا به عبرها هو أحلامهم.
عبّروا من خلالها عن "ثورتهم" على "النظام الطائفي"، وعن غضبهم عليه ومنه، وعلى قوى السلطة ومنها، ومن ضيق الأحوال وتدهورها.
ففيما كانت الدولة ومؤسساتها الديمقراطية والمساحات العامة، ومنها وسائل الإعلام، تحت سطوة قوى السلطة وخطاباتها وألاعيبها ومشاحناتها ونفاياتها، وجد أولئك اللبنانيّات واللبنانيون في "فيسبوك" مساحة حرّة للتعبير عن هويّاتهم العلمانية والمدنية والوطنية... وعن أحوالهم وتطلّعاتهم وأهوائهم وأمزجتهم...
ومذ ذاك، بدأ توافد فئات أخرى من اللبنانيات واللبنانيين إلى "فيسبوك". انتقل لبنان، السياسة والمجتمع والثقافة، إلى رحمة "العالم الافتراضي".
وبعدما كان "فيسبوك" مسرحاً للأحلام والهويّات وشارعاً للاحتجاج والاعتراض، تحوّل إلى بلد بكلِّ ما فيه، صار مرآةً لكثيرين، مجتمعين ومتفرّقين، غدا (في جانب منه ومن دون تعميم إذ ما زالت هناك بقع ضوء) جبلَ الجليد الآخذ بالتكسّر والذوبان.
ويوماً فيوماً، راحت هذه المنصّة التي حمل إليها اللبنانيّات واللبنانيّون سلامهم وحروبهم، وطنيّتهم وانقساماتهم، علمانيّتهم ومدنيّتهم وطائفيّتهم ومذهبيّتهم، أدبهم ولاأدبهم، خصوصيّاتهم وانكشافاتهم، حقائقهم وشائعاتهم... إلخ، وشهدت ولادة مؤلّفات لعل أكثرها قيمة "دفتر الفسبكة" لأحمد بيضون، تتحوّل إلى مرتع لثقافة الكراهية والتنمّر والتعنيف والفضائحية و"فش الخلق".
وأهون ما في الأمر هو تحوّل هذه المنصّة، كما يشكو كثيرون ويتململون، إلى "ورقة نعوة". فالمنصّة للتواصل الاجتماعي. ولأن اللبنانيات واللبنانيين شطّار عرفوا كيف يأكلون كتف "فيسبوك"، خصوصاً بعدما ماتت قراءة الصحف التي كانت تخصص صفحات مدفوعة الأجر لتلك الورقة.
كيفما تكونوا يكن "فيسبوككم".
حتى الآن، هذا طبيعي.
طبيعي، في بلد مُتعَبٍ، مأزوم، مهزوز، ممسوك وليس متماسكاً، بلا أفق، تحت سلطة قوى جهنمية، مليشياوية ومالية، وقد سُرِقَ وانهار اقتصاديّاً بفعلٍ مدبّر استمر لعقود، أن تنعكس هذه الأحوال و"أخلاقها" على هذا النحو في المرايا الحقيقية والافتراضية.
طبيعي، أن ينفجر مجتمعٌ وكائنٌ تحت الضغوط التي يتعرّض لها اللبنانيّات واللبنانيّون على هذا النحو.
والقول بطبيعية هذا الانعكاس، وذاك الانفجار، ليس بحثاً عن أسباب تخفيفية، ولا هو تجنّب لاتهام. فالمتهم واحد، وهو كثيرون. هو نفسه الذي فعل في البلد وإنسانه ومجتمعه وسياسته واقتصاده ودولته ومؤسساته الديمقراطية ومساحاته العامة ومشاعاته وأملاكه البحرية... ما فعل ويفعل.
فالحال التي وصل إليها "فيسبوك"، في لبنان، هي من "تجلّيات" ما ارتُكب ويُرتكب، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً. ولا يعفي ذلك المواطنات والمواطنين من مسؤوليّاتهم، ليس من باب المحاكمة إنما هو حقيقة وافتراض ورهان.