حسان الزين

يُدير مشروع "أصوات" شعرية عربية شابة من بيروت

محمود وهبة: جيلنا ناقم سياسياً ونكتب بلا قضايا

4 شباط 2023

02 : 01

يلفت الإنتباه، في لبنان والبلدان العربية التي تواجه الأزمات والصعوبات، أن يصرّ شابٌ على كتابة الشعر وتوفير فرص ومساحات تمكّن أبناء جيله من الطبع والنشر. هو محمود وهبة، الشاعر والصحافي اللبناني الذي يعمل منذ أعوام لإصدار مشروع "أصوات". وقد تمكن، أخيراً، من الحصول على منحة من "الصندوق العربي للثقافة والفنون- آفاق" بالتعاون مع "دار النهضة العربية" لطباعة نحو عشرين مجموعة شعرية لشبان وشابات من مصر والعراق وسوريا والسودان والمغرب وفلسطين وتشاد... ولبنان. 

ما الذي يدفع شاباً عربياً، الآن في الظروف القاسية، ليس إلى الكتابة فحسب، بل إلى الكفاح من أجل جيله من الكتاب والشعراء؟

ببساطة، لأنني لا أعرف أن أعمل أي شيء آخر. إذا طُلب مني أن أعلّم، وأنا حائز إجازة تعليم في الأدب العربي من الجامعة اللبنانية، لا أعرف، ليس لدي القدرة على ذلك وربما أكرهه، أكره أن أستيقظ باكراً للذهاب إلى المدرسة. لم أفعل ذلك في حياتي.أعتقد أنني شخص يتقن إدارة المشاريع الثقافية. وإضافة إلى مشروع "أصوات" سأطلق بعد فترة موقعاً متخصصاً بالشعر. وسأواصل العمل لنشر شعر الشباب في البلدان العربية.


من أين آتي بهذه القدرة؟ لا أدري! لكن، أنا شخص نظامي ولدي خلفية ثقافية. أنا لا أدير متجراً إنما مشروع ثقافي، وأنا جزء من الثقافة، وفيما أنا كذلك هناك من أبناء جيلي من لا يعرف هذا، يعرف الكتابة فحسب، فلمَ لا أقدم له ما أعرفه، وبذلك أعمل أنا في ما أحب العمل فيه وفي الوقت نفسه أؤثر إيجاباً في ثقافة جيلي وإبداعه.



ما هي مرجعياتك، أنت كشخص، بمعزل عن مشروع "أصوات"، وكيف تفكر في الشعر؟

مرجعيتي أو مرجعياتي متنوعة وليست أيديولوجية أو مغلقة. أقرأ كل شيء، ولجميع الأدباء والشعراء، بحكم عملي في الصحافة، وأتابع كل الأنشطة والصفحات الثقافية. أحب الشعراء أنسي الحاج وعباس بيضون وسركون بولص وسعدي يوسف وبول شاوول، وأحب نتاج أبناء جيلي من شعراء وروائيين وكتاب قصّة. يعني لي أن أقرأ ما يكتبون وينتجون.



كيف تصف مشهد الشعر الشاب عربياً؟

الشعر العربي جزء من العالمي. أنا كشاعر في بيروت أتشارك مع شاعر في نيويورك أموراً كثيرة في الحياة وفي الكتابة. والجيل الشاب من الشعراء نشيط جداً. ينشر بكثافة. يشارك في ورش عمل. ويحصل على منح. وهذا أمر إيجابي، ويوسع الرقعة الشعرية، والغربال يصفّي. صار لدى الشعراء الشباب هامش. وهو جيل ناقم سياسياً. وهذا يتمظهر في الشعر. لو أنه ليس جيلاً ناقماً لما كتب الشعر. الشعر نوع من التعويض.



أتعتبر أنكم كجيل استمرار لتجربة الحداثة في الشعر العربي، أم ثمة تمرّد على هذه الحركة؟

نحن امتداد للحداثة المتنوعة الأصوات. جيلنا هو التجربة المعاصرة في كتابة الشعر. ليس نتاجنا كله جديداً، إنما نأخذ من التجارب السابقة ونضيف إليه. نحن امتداد مع خصوصيات قيد النشأة. متصالحون نوعاً ما مع الأجيال السابقة. ونحن جيل اللاقضايا، لا نؤمن بشيء. منذ سنوات كان هناك قليل من القضايا في الشعر، بينما الآن لا شيء. الكل ينحو نحو الشخصي والهوامش.



لكن هذا التوجه بدأ مع أجيال سابقة؟

أجل، لكن الآن تكرس مع جيل عربي. من دون أن ننفي أن هناك عربياً مَن ما زال من الشباب، وغيرهم، يكتب موزوناً ويلتزم القضايا؟ فالتوجه السائد، المنتشر، الذي ينشط عربياً في الصحافة هو اللاقضايا. ربما هناك خلفيات وانتماءات، سياسية وفكرية، لدى هذا وذاك من الشعراء الشباب، لكن البارز هو توجه اللاقضايا. الشعر ليس أداة لكتابة القضايا. وهذا اقتراح أكيد ومجرّد رأي.



هل كتابة الشعر بلاقضايا هي قضية يرفعها الشعراء الشباب؟

لا أدري إذا ما كان الوضع كذلك. أكثر ما يهمنا هو اللاقضايا والهوامش المعزولة التي لا يُلتفت إليها. مثلاً، صديقي باسل مرجعه الشاعر الراحل بسام حجار، صديق آخر يحب الشاعر عيسى مخلوف، وآخر يحب الشاعر بول شاوول. هؤلاء الشعراء كافة بلاقضايا. وأنا، مثلاً، أحب الشاعر عباس بيضون، قبل ذلك أحببت الشاعر الراحل محمد علي شمس الدين. الشعراء يتغيرون، ويتغير أبطالهم ومثلهم ومراجعهم. الشعراء الشباب باتوا يهتمون في قصائدهم بعلاقاتهم مع أنفسهم ومحيطهم الضيق. وأعتقد أننا نشبه بعضنا. نحس بذلك ليس من خلال القصائد فحسب، بل في حياتنا ولقاءاتنا.



هل يمكن أن يكون لك موقف سياسي، هل لديك نقد للوضع وقوى السلطة؟

أنا مواطن وأعيش واقعي، مثلي مثل غالبية الناس أرى المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما فعلته الأحزاب والسياسة. أنظر مثل كل الناس، وربما بوعي وحساسية أكبر، وأتألم أكثر.



عباس بيضون قال إن كتابة الشعر مغامرة ولا نعرف ما إذا كنا كتبنا شيئاً جيداً أم لا، ما رأيك في هذا وأنت شاب في بداية تجربتك؟

صحيح. لكن، لا أرى هذه المغامرة كأمر سلبي، بل بالعكس. وعملي في النشر وإدارة المشاريع والصحافة يوفر لي فرصة إنتاج مستلزماتي الضرورية، ما يجعلني أستمر فيه. أما في خصوص كتابة الشعر فأعتبرها تجربة وأخوضها منفتحاً على كل تغيير وتطوير.



هل هناك قراء لشعركم؟

لا أدري ولا يمكنني أن أجزم. ربما شعرنا ليس مقروءاً بالمعنى الواسع. للشعر قراء محدودون، وهناك كثيرون يعتبرونه "طق حنك". ضمن الأوساط الثقافية نجد قراء لشعرنا. إضافة إلى ذلك، قصائدنا تترجم للوصول إلى قراء بلغات أخرى. وقد ترجمت قصائد لي إلى الفرنسية والانكليزية ويجري العمل على ترجمة بعضها إلى الفنلنديّة والكرديّة.



جيلكم ينشط وينشر على وسائل التواصل، هل أثرت لغتها في شعركم؟

لا شاعر يبقى لأنه ناشط على وسائل التواصل. وسائل التواصل خفضت المستوى. صار من يكتب كلمتين يعتبرهما شعراً. وربما شاعر حقيقي لا يحصل على 50 إعجاباً، في حين ينشر أحدهم، أو إحداهن، كلمات قليلة مع صورة يحصل أو تحصل على 25 ألفاً. لغة وسائل التواصل لم تدخل نصي، لكن فتحت مساحة للتعدي على الشعر. لغة المعيوش ووسائل التواصل دخلت النص الشعري والروايات، وسّعت رقعة الشعرية العربية. سابقاً، كان المثقف في برج عاجي، معزول، بينما الآن صار ينشر ويعبّر عن إعجابه ويكتب ملاحظة مديحاً أو نقداً، وكذلك بات نصه يخضع لآراء زملائه والقراء على وسائل التواصل. لا يمكن القول إن وسائل التواصل أفسدت الشعر واللغة أو حسنتهما.



ولا يمكن أن نتجاهل أن وسائل التواصل والتفاعل عليها قد يولّدان حواراً نستفيد منه في تطوير النص. أنا مثلاً آخذ بالملاحظات التي تصلني عبر وسائل التواصل التي باتت نوعاً من الرقيب. لقد أسهمت وسائل التواصل في تطرية النص الشعري والأدبي، لكن مرجعيتي تبقى ثقافتي وما أراه مناسباً. الذات معيار بالنسبة إلى الشعر العربي الحديث، وما زالت قائمة. المثقفون هم أصحاب الكلمة الأولى والأخيرة في تراكم الثقافة. وسائل التواصل تتسع لنصوص ربما لا ننشرها في كتبنا. باختصار، لغة وسائل التواصل لم تدخل القصيدة إنما اقتحمت عالم الأدب.



شعراء كثيرون ممن ذكرت، وآخرون، لديهم هاجس اللغة، ويتشددون في تصفيتها، هل لدى جيلكم هذا الاهتمام؟

قصيدتنا ليس لديها هاجس اللغة. الشاعر باسل الأمين يكتب قصائد كلماتها منتقاة من المحكي. قصائدنا تحررت من اللغة، كما هي عند أدونيس وعباس بيضون وبول شاوول. لا أحد من جيلنا مثل هؤلاء. القصيدة صارت سهلة، تنحو نحو العاطفة. أنا، نصي ليس عاطفياً، لكن أشعر بذلك لدى رفاقي. هؤلاء يكتبون عن عالمهم العاطفي، وفي قصائدهم عاطفة أكثر، فيها جو فرداني شخصي. أنا قصيدتي ساخرة. أسخر من العالم في القصيدة. قصائدي تلعب، تارة تتعامل مع العالم أو الشعر بجدية وطوراً تهزأ منهما.

MISS 3