محمد علي مقلد

"فيلم الحريري" و"أفلام 2005"

4 شباط 2023

02 : 00

تذكرنا عبارة «فيلم الحريري» و»أفلام 2005» بأخرى من القاموس ذاته ساقها رئيس الجمهورية السابق إميل لحود في تعليقه الفصيح حين وصف الاغتيال بفعل «رزالة» (بالفصحى رذالة). العبارة تكررت هذه المرة على لسان ناطق غير رسمي باسم الثنائي، بعدما قيلت أكثر من مرة لمطالبة الخصوم بالإذعان وإلا فالترهيب والتهديد والترعيب بالاغتيال.

لا شك في أنّ الثنائي أذكى من أن يوعز، لكنه، على ما يبدو، يدير أذنه الطرشاء لمثل هذه الأساليب الإرهابية ويحجم عن ردع المبادرين إلى تأويل مواقفه والمضي في تفسيرها إلى أبعد من مقاصده، ما يشجع المفسرين والمؤولين والمجتهدين والمفتين إلى النفخ في نار الحرب الأهلية.

قيل للرئيس رفيق الحريري إمّا أن تجدد ولاية الرئيس لحود إمّا نهاية الحريرية. كانت كلفة التهديد باهظة لأنّ الاغتيال لم يطل عدداً من القادة السياسيين والأمنيين فحسب بل جرجر وراءه تبعات وترددات مدمرة، من بينها ترئيس ميشال عون حاملاً بيده مفتاح «جهنم» الانهيار المريع.

تكرر أسلوب التهديد الموروث من نظام الوصاية في الترئيس والتوزير وفي تشكيل الحكومات وفي تعطيل المجلس النيابي، ولا نظنّ الثنائي سعيداً بما آلت إليه الأوضاع المالية والاقتصادية والأمنية في البلاد، وخصوصاً أوضاع حاملي جوازات السفر من الشيعة في العالم العربي وفي العالم. حتى على الصعيد السياسي، المقاومة التي كانت راياتها مرفوعة بافتخار في كل بيت عربي، لم تحصد من تلك السياسة إلا المزيد من الخسائر.

ولا نظنّ الثنائي أيضاً ساهياً عن تحولات كبرى في المزاج الشعبي حصلت بين 2005 و2023؛ لا 8 ولا 14 آذار مستمرتان كتشكيلين سياسيين، ولا الدعم الخارجي متوافر لإقحام اللبنانيين في الحروب مجدداً ولا المجلس النيابي طوع بنان عنجر أو وكلائها.

في المرات الماضية كان فريق الممانعة لا يحتاج إلى أغلبية في البرلمان بل كان يجني الغلبة بالترهيب. هذه المرة بدأ الخصوم يهولون على أغلبيته المأمولة بالنصف زائداً واحداً، الحقيقية أو المزورة، بالطلاق أو التقسيم أو الفدرالية، فهل يقبل الثنائي أن ينزوي في جنوبي البلاد، وهل ستبقى بلاد وهل سيبقى الجنوب إن لم تبق البلاد؟ وماذا عن مصير مقاومة الاحتلال وعن الترسيم البحري وعن خطوط 23 و29 وصخرة الناقورة؟ أمام الثنائي واجب تهدئة الرؤوس الحامية، حمل المطافئ بدل صب الزيت على النار. أول غيث الإطفاء قطرة من داخل المجلس النيابي. تتوقف مسرحية التعطيل ويبدأ حوار حول مبادرة كتلة نواب الثورة، أو مبادرة وليد جنبلاط، بحثاً عن رئيس من خارج مرشحي التحدي يتولى إدارة عملية الإصلاح السياسي والمالي، وما أكثر الكفاءات اللبنانية.

من خارج المجلس النيابي قد يلعب المرشح سليمان فرنجية دوراً تاريخياً في إعادة المعنى إلى وحدة وطنية زعزعها انقسام اللبنانيين بين ولاءاتهم الخارجية، فيعلن عدم موافقته على رئاسة بخمسة وستين صوتاً ويبادر إلى سحب ترشيحه ويدعو مؤيديه من النواب وسائر أعضاء البرلمان ويشجعهم، بأريحيته وصدقه وعفويته وفروسيته، على أن يكونوا حقاً أسياد أنفسهم فيختاروا، بمعزل عن أي تدخل خارجي، رئيساً رمزاً للوحدة لا للانقسام.