وليد شقير

إجتماع باريس: أي تموضع إقليمي للرئيس؟

6 شباط 2023

02 : 00

تفضّل الأوساط الديبلوماسية الأجنبية في بيروت إبلاغ من تلتقيهم من السياسيين والإعلاميين، أن هؤلاء يسبغون توقعات أكثر مما يحتمل الواقع على اجتماع باريس الخماسي الذي تشارك فيه، إضافة إلى الخارجية الفرنسية مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف وديبلوماسيون من وزارات الخارجية في كل من المملكة العربية السعودية ومصر وقطر، حول لبنان.

بات معروفاً أنّ الاجتماع سيضع خريطة الطريق لمعالجة الأزمة اللبنانية على المستويات السياسية والعاجل منها إنهاء الشغور الرئاسي في أسرع وقت، والاقتصادية والمالية واللازمة في شأنها تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية البنيوية، لا سيما في قطاع الكهرباء. تستند خريطة الطريق إلى مبادئ سبق أن وردت في وثائق وقرارات صدرت في المبادرة الكويتية التي صيغت بتعاون خليجي سعودي، وفي بيانات القمة الخليجية واجتماع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ثم البيان الأميركي- الفرنسي- السعودي في نيويورك الصيف الماضي... باتت نقاط هذه الوثائق وغيرها هي الكتاب الذي يتعاطى المجتمع الدولي على أساسه مع المأزق اللبناني. ونقاطه الجوهرية إذا أراد المرء تلخيصها هي إنجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي (الذي يتضمن الإصلاحات ومكافحة الفساد والهدر)، والنأي بالنفس «قولاً وفعلاً» عن حروب وصراعات المنطقة التي وضعت البلد في حالة عداء مع محيطه ومع الدول المانحة التي كانت على الدوام ترفده بالمساعدات المالية والاستثمارات لتصحيح أوضاعه، فتنال مقابلها تنامي حالة العداء لها لأهداف إقليمية لا علاقة للبنانيين بها.

نصيحة الدبلوماسيين الأجانب بعدم تعليق الآمال الفائقة التفاؤل والتوقعات حيال اجتماعات باريس، تعود إلى أنّ أي جهد خارجي يبذَل من أجل لبنان يبقى مشروطاً بما يلتزمه القادة السياسيون فيه.

ليس مسألة تفصيلية أن تُختصر خريطة الطريق المفترض أن تصدر عن اجتماع باريس، كما عن أي اجتماع يتعلق بلبنان، بمسألتي تحقيق الحد الأدنى من الإصلاحات لتشريع الاتفاق مع صندوق النقد من جهة، وبمبدأ النأي بالنفس «قولاً وفعلاً» من جهة ثانية وبتطبيق اتفاق الطائف من جهة ثالثة. وهي تختزل الإصرار الدولي والعربي على ملاءمة القرار بتصحيح أوضاع البلد الداخلية على الصعيد الاقتصادي مع عملية تصحيح تموضعه الإقليمي.

إختيار الرئيس الجديد الذي تلح الدول الخمس المجتمعة في العاصمة الفرنسية على انتخابه في سرعة وإنهاء الفراغ الذي يقوض مؤسساته، يفترض أن يرمز إلى هذا التموضع الذي كان تسبب في السنوات الماضية بالخلل الكبير في ماليته العامة وباهتزاز تركيبته السياسية التي تزداد هشاشة نتيجة تقويض اتفاق الطائف في توزيع الشراكة في السلطة. وليس بعيداً من المنطق أن تقصد العواصم الكبرى من وراء تأكيدها أنّها لن تتدخل في اسم الرئيس العتيد، أن تترك للاتفاق بين اللبنانيين أن يحدد أي تموضع يريدونه لبلدهم في المنطقة التي تشهد المزيد من الاستقطاب، جراء التطورات الدولية المتصلة بالانقسام الدولي بفعل الحرب في أوكرانيا وفشل المفاوضات على النووي.

وهذا ما يجعل المعايير والمواصفات التي سيضعها اجتماع باريس للرئيس الجديد أقرب إلى السؤال: أين سيقف ومعه البلد برمته، خلال السنوات الست التي سيمضيها في القصر الرئاسي؟ وهل سيؤمن الاستمرارية لتموضع الرئيس السابق ميشال عون أم سيعدّل المسار؟

سواء صدقت التسريبات التي تحدثت عن أنّ الجانب الفرنسي يفكر بطرح معادلة المفاضلة بين العماد جوزيف عون وبين رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية أم لا، وكذلك المفاضلة بين القاضي في محكمة العدل الدولية السفير السابق نواف سلام أو رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي لرئاسة الحكومة مع أي من الرئيسين المفترضين، فإنّ الاختيار بات يتوقف على الالتزام بخريطة الطريق الموعودة. وإذا كان الجانب الفرنسي يعول على الدور القطري في الحصول على أجوبة من الجانب الإيراني في هذا الصدد، أو على اتصال حصل بين الرئيس إيمانويل ماكرون ونظيره الإيراني ابراهيم رئيسي، فإنّ الساعات التي سبقت الاجتماع الخماسي لا تدل إلى أي تقدم على هذا الصعيد.

وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا كررت في زيارتها الرياض وأبو ظبي في 2 و3 كانون الثاني القول إنّ «إيران تُهدّد بيئتها الإقليمية وتسعى إلى زعزعة استقرارها. هي تتصرّف مباشرةً لدى جيرانها، من خلال ميليشيات تموّلها في المنطقة. وتشهد نشاطاتها المزعزعة للاستقرار ازدياداً». والجواب جاء أيضاً من «حزب الله» إذ قال عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النيابية حسن فضل الله: «لا يمكن للخارج أن يفرض علينا أي اسم، ونريد أن يبقى هذا الاستحقاق وطنياً لبنانياً، وبالتالي، لو اجتمعت كل دول العالم لتفرض اسماً على اللبنانيين، لن تستطيع أن تفعل ذلك».