ريتشي إينغار

ناريندرا مودي يُسكِت شركات التكنولوجيا الكبرى

7 شباط 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس التنفيذي لشركة فيسبوك مارك زوكربيرغ في مقرّ Facebook بكاليفورنيا | في 27 أيلول 2015

أمضت منطقة "سيليكون فالي" الرائدة في مجال التكنولوجيا سنوات طويلة وهي تتقرّب من الهند، لكن تتعامل شركاتها اليوم مع رقابة شائكة في أكبر ديمقراطية في العالم...



تصدّرت الهند عناوين الأخبار العالمية في الأسبوع الماضي بعدما منعت عرض وثائقي من إنتاج قناة «بي بي سي» عن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. يُركّز هذا العمل على دوره في أعمال الشغب الدينية في «غوجارات»، في العام 2002، حين كان رئيس وزراء الولاية. شمل قرار منع بث الوثائقي أمراً مُوجّهاً إلى «يوتيوب» و»تويتر»، بموجب قوانين التكنولوجيا المحلية، لمطالبة المنصّتَين بحذف الروابط التي تسمح بمشاهدة الوثائقي، وأعلن مستشار حكومي أن الشركتَين نفّذتا ذلك الطلب.

صرّح متحدث باسم "يوتيوب" لصحيفة "فورين بوليسي" بأن الموقع حظر الوثائقي "بسبب مزاعم مرتبطة بحقوق النشر" من قناة "بي بي سي"، لكنه لم يؤكد مطالبة الحكومة الهندية بحذفه. في المقابل، لم يُعلّق المسؤولون في "تويتر" على الموضوع.

تكلّمت حكومة مودي على صلاحيات "طارئة" بموجب قوانين التكنولوجيا الجديدة التي أقرّتها في العام 2021، فهي تدعم القوانين المعتمدة بصلاحيات مضافة تسمح بحذف أي محتوى تعتبره تهديداً على "سيادة الهند ووحدتها، ونظامها العــــام، وعلاقاتها الودّية مع الدول الخارجية". قد يُحكَم على الموظفين المحليين في شركات التكنولوجيا بالسجن إذا تجاهلوا تلك القوانين. يخشى الخبراء والمدافعون عن الحقوق الرقمية أن تمنح هذه القوانين مودي الضوء الأخضر لملاحقة النقاد والخصوم، ما يؤدي إلى انحسار هامش حرية التعبير على شبكة الإنترنت ومنصّات أخرى.

تقول المحلّلة السياسية علياء بهاتيا من مشروع حرية التعبير في "مركز الديمقراطية والتكنولوجيا": "لطالما اعتبر مودي وسائل الإعلام ساحة يجب أن تصبح تحت السيطرة. هذه الحكومة تعتبر شركات التكنولوجيا امتداداً لتلك الساحة التي تسعى إلى التحكّم بها. تتعلق المسألة الأساسية في هذا المجال بغياب المساءلة والشفافية، ما يسمح لمودي باستعمال الصلاحيّات الطارئة للسيطرة على مواقف المستخدمين على الإنترنت".

أمضى مودي وحكومته سنوات عدة وهما يرحّبان بشركات التكنولوجيا العالمية في الهند، لكنهما يحاولان إخضاعها اليوم. تشير سلسلة الخلافات مع شركات مثل "واتساب"، و"تويتر"، و"أمازون"، و"نتفلكس"، إلى زيادة أهمية مواقع التواصل الاجتماعي والعالم الرقمي بدرجة غير مسبوقة في حملة مودي المطوّلة للسيطرة على الخطاب العام وإسكات النقّاد.

تسعى الحكومة الهندية اليوم إلى توسيع تلك السيطرة، وقد اقترحت تعديلاً آخر على قوانينها التكنولوجية في الأسبوع الماضي لمطالبة المنصّات على الإنترنت بحذف المواد التي يعتبرها مكتب المعلومات الصحفية أو أي وكالات حكومية أخرى "كاذبة أو مزيّفة". اعتبرت نقابة المحررين في الهند (مجموعة صحفية رائدة) هذا الاقتراح شكلاً من "الرقابة".

يقول رامان جيت سينغ شيما، مدير قسم السياسة الآسيوية وكبير المستشارين الدوليين في منظمة الحقوق الرقمية Access Now: "لقد اتّضحت نزعة الهند إلى ترسيخ مقاربتها ورفض التخلي عن مسار الترهيب المبنيّ على خطوات استبدادية في العالم الرقمي كتلك التي تتّخذها الحكومة في آخر سنتين أو ثلاث سنوات".

تبدو علاقة شركات التكنولوجيا الكبرى مع الهند بالغة التعقيد. تشمل الهند أكثر من 800 مليون مستخدم للإنترنت (أكثر من ضعف سكان الولايات المتحدة)، وقد دفعت شركات مثل "ميتا"، و"غوغل"، و"تويتر"، و"أمازون"، و"نتفلكس"، إلى استثمار سنوات طويلة ومليارات الدولارات في البلد والامتثال لمطالبه. تواجه تلك الشركات توازناً شائكاً بين حماية مستخدميها ومتابعة عملها في أهم سوق نامية بالنسبة إليها.

يقول ستيفن فيلدستاين، مسؤول بارز في" مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي": "كلما توسّع حجم السوق وحصل البلد على قوة اقتصادية متزايدة، سيصبح أكثر قدرة على استعمال نفوذه وتحديد سياسات شركات التكنولوجيا. وبما أن شركات التكنولوجيا الكبرى تعجز عن اختراق الصين، تبقى الهند ثاني أكبر سوق في العالم ومساحة أساسية تتشجع الشركات على متابعة التعامل معها".

لكن لا يعني ذلك أن الشركات لم تحاول مقاومة هذه الضغوط. قرّرت منصّة "واتساب"، التي تملكها شركة "ميتا" وتشمل مستخدمين في الهند أكثر من أي بلد آخر، رفع دعوى قضائية ضد الحكومة بسبب القوانين التكنولوجية الصادرة في العام 2021، بعد فترة قصيرة على إقرارها، وسبق ورفضت مطالب الحكومة الهندية بتعقّب المستخدمين الفرديين عبر كشف المعلومات المشفّرة عنهم.

لكن لطالما استهدف مودي أصغر المنصّات التي تديرها شركات التكنولوجيا الكبرى. كما هو الوضع في بقية دول العالم، يبقى عدد مستخدمي "تويتر" في الهند أقل من منصّات التواصل الاجتماعي الأخرى، ومع ذلك يُعتبر تأثير هذه المنصّة هائلاً وسط السياسيين، والصحفيين، والمشاهير، وشخصيات بارزة أخرى. (أصبح مودي الأكثر متابعة من بين رؤساء الدول الحاليين على "تويتر"، إذ يتابعه أكثر من 86 مليون شخص). لكن تحمّلت "تويتر" أيضاً أكبر أعباء الرقابة والضغوط الهندية في السنوات الأخيرة. وفق أحدث تقرير أصدرته الشركة عن معيار الشفافية، لطالما كانت الهند من أول خمسة أطراف تطلق مطالبات قانونية لحذف المحتويات، وهي تحتل المرتبة الأولى في عدد الخطوات القانونية التي تتخذها ضد صحفيين معروفين ووكالات أخبار بارزة.

احتدم الوضع منذ سنتين، حين رفضت "تويتر" مطالبات الحكومة بحذف حسابات صحفيين وناشطين ينشرون معلومات عن الاحتجاجات الواسعة التي أطلقها المزارعون الهنود ضد مودي، فزادت انتقادات المسؤولين الهنود للموقع. وبعد بضعة أشهر، دهمت الشرطة مكاتب "تويتر" في نيودلهي بعدما اعتبرت المنصّة تغريدات "حزب بهاراتيا جاناتا" الذي يقوده مودي "إعلاماً خاضعاً للتلاعب". وفي السنة الماضية، رفعت "تويتر" دعوى ضد الحكومة الهندية بعد صدور أوامر أخرى بحظر المحتويات، فاعتبرت تلك الأوامر شائبة ومخالفة لحقوق مستخدمي المنصّة.

لكن بدا وكأن "تويتر" باتت أكثر ميلاً إلى الرضوخ في الأسبوع الماضي. يتعلّق الفرق هذه المرّة بمالك المنصة الجديد، إيلون ماسك. أعلن الملياردير الذي اشترى "تويتر" في تشرين الأول الماضي أنه يدعم "حرية التعبير"، لكنه قال أيضاً إنه يطبّق تلك الحرية بكل بساطة "بما يتماشى مع القوانين".

كذلك، تثبت تحركات ماسك حتى الآن أن اهتمامه بوضع "تويتر" خارج الولايات المتحدة لا يزال محدوداً في أفضل الأحوال، فقد قرّر طرد أكثر من نصف موظفي "تويتر" حول العالم، بما في ذلك عدد كبير من أعضاء الفِرَق الهندية والأفريقية. ورغم وصول قضية "تويتر" ضد الحكومة الهندية إلى المحاكم (رُفِعت قبل أشهر من مجيء ماسك)، قد يتعامل مودي مع منصّة أكثر رضوخاً بكثير في المرحلة المقبلة.

ردّاً على سؤال حول حظر وثائقي "بي بي سي" في الهند، كتب ماسك في تغريدة يوم الأربعاء الماضي: "أنا أسمع بهذا الخبر للمرة الأولى. لا يمكنني أن أصلح جميع جوانب تويتر حول العالم بين ليلة وضحاها فيما أتابع الانشغال بإدارة "تيسلا" و"سبيس إكس" وشركات أخرى".

يشير الخلاف بشأن وثائقي "بي بي سي" إلى استعداد حكومة مودي لمضايقة واحدة من الجهات التي تمقتها. يوضح فيلدستاين: "ربما تختبر الحكومة الهندية قوة تصميم ماسك، لا سيما بعد الدعاوى القضائية الأخيرة والخلاف الحاصل بين "تويتر" والحكومة الهندية على مستوى طلبات حذف المحتويات. هذا الجانب يستحق المراقبة، لكنّ تردّد ماسك في معارضة مطالب مودي حتى الآن ليس مؤشراً إيجابياً".

مع ذلك، من المتوقع أن يفرض مودي بعض القيود الذاتية على تحركاته، إذ يحاول الزعيم الهندي إيجاد التوازن المناسب في قراراته. هو أبدى استعداده لحظر منصات التكنولوجيا الأجنبية في الماضي، بما في ذلك "تيك توك" و"وي تشات"، لكنه وصل إلى السلطة وكسب شعبية واسعة من خلال استعمال شبكات التواصل الاجتماعي الغربية مثل "فيسبوك"، و"تويتر"، و"إنستغرام". تقرّب مودي بكل حماس من شركات "سيليكون فالي" خلال أول ولاية له كرئيس وزراء الهند، بين العامين 2014 و2019، فزار معقل التكنولوجيا في العام 2015 واجتمع مع عدد من الرؤساء التنفيذيين في أهم شركات التكنولوجيا، بما في ذلك مارك زوكربيرغ من "فيسبوك" وسوندار بيتشاي من "غوغل". حتى أنه استضاف عدداً من المديرين التنفيذيين في نيودلهي، وزار بيتشاي البلد في الشهر الماضي.

لكن رغم برود العلاقات بين الحكومة الهندية وشركات التكنولوجيا العالمية في السنوات الأخيرة، يتوق مودي حتى الآن إلى طرح الهند كلاعبة عالمية أساسية، لا سيّما بعدما استلم بلده رئاسة مجموعة العشرين ومع اقتراب الانتخابات الوطنية في العام 2024.

يقول بهاسكار شاكرافورتي، عميد الأعمال العالمية في كلية فليتشر للقانون والدبلوماسية، في جامعة "تافتس": "يرتكز جزء من خطاب مودي على طرح نفسه كمسؤول يدعم قطاع الأعمال، ويحبّ التكنولوجيا، ويرحّب بالعالم في الهند، ويرغب في ترسيخ مكانة بلده وسط أقوى دول العالم. لهذا السبب، سيكون تعطيل مواقع التواصل الاجتماعي انتكاسة هائلة لهذه الصورة. الأمر أشبه بظهور نسخة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الهند، وهذا الوضع لن يُحقق أهداف مودي بأي شكل".


MISS 3