وليد شقير

زلازل الطبيعة... وذكرى 14 شباط

8 شباط 2023

02 : 00

في موسم الزلازل والهزات المأسويّة التي تضرب المنطقة في تركيا وسوريا، مع ما خلّفته ارتداداتها على الشعبين من كوارث هائلة وعلى لبنان من مخاوف وأضرار، يتمّ بعد أقلّ من أسبوع إحياء الذكرى الثامنة عشرة للحدث الزلزالي الذي أصاب البلد الصغير أمنياً وسياسياً (ولاحقاً اقتصادياً)، في 14 شباط 2005 بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. الفارق يكمن في أن زلزال 2005 هو من صنع جهات محدّدة.

ومع أنّ لبنان لم يتوقف عن الخضوع لارتدادات تلك الجريمة التي قلبت البلد رأساً على عقب منذ حينها، فإنّ الذكرى تحلّ هذا العام وسط تبدّلات جذرية في المشهد السياسي والاقتصادي الاجتماعي، الداخلي والإقليمي. أحدثها وأكثرها تأثيراً في اليومين الماضيين، ما سيخلّفه زلزالا الطبيعة في تركيا وسوريا من صعوبات على بلدين محوريين في المنطقة، ومن تداعيات ضخمة ينبئ بها هول المشاهد التي تثبت عجز البشر أمام غضب الطبيعة، فضلاً عن قصور قدرات الدول على الاحتياط للكوارث وتحصين مجتمعاتها إزاء احتمالاتها. تكفي صور سقوط أبنية مثل قصور الرمال مقارنة مع أبنية صمدت للدلالة على ضعف الاحتراز الذي يقلّل خسائر ما يمكن أن تحمله فوالق الزلازل والهزّات الأرضية، في دول توهن الأزمات وحال عدم الاستقرار مؤسساتها المدنية وبالتالي قدراتها على الصمود أمام الكوارث الطبيعية. أوهن شطب رفيق الحريري قدرة لبنان على الصمود، وعلى التهيّؤ للكوارث، لأنّ المطلوب، كان يتجاوز إلغاء زعامة أو شخصية شكّلت ظاهرة سياسية وفردية في الوقت نفسه. فالنتيجة الموضوعية كانت، شئنا أم أبينا، إضعاف الدولة المركزية في نهج يجري تعميمه على المنطقة برمّتها. والأمثلة واضحة من اليمن إلى العراق وسوريا وليبيا وصولاً إلى لبنان حيث أثخنت الصراعات والحروب المجتمعات، وانتظام مؤسسات الدولة فيها.

يزور وريث رفيق الحريري زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ضريح والده هذا العام لقراءة الفاتحة على ضريحه وسط ضياع لبناني لم يسبق له مثيل ومعه ضياع جمهور عريض يتداعى بعض فاعلياته عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى ملاقاته أمامه. وإذا كان الحج إلى الضريح شكّل في كل سنة محطة سياسية تتّصل بحدث ما، تستنهض هذا الجمهور، إضافة إلى كونها مناسبة عاطفية لدى قطاع واسع من الناس، فإنّها هذه السنة مناسبة للتعبير عن إحباط جزء واسع من الجمهور السني. مريدو رفيق الحريري وأنصار سعد الحريري يفتقدون إلى دور الزعامة السنية في المشهد السياسي الذي يحتاج إلى تسوية سياسية تنتشله من القعر الذي وصل إليه. فالبلد يتخبّط بمزيج من الأحقاد والنكايات والشعارات الزائفة والعصبيّات والتدخلات الخارجية وحسابات رهنه للصراعات الإقليمية التي تفوق قدرته على الاحتمال. وإذا كان يحتاج إلى اختراق لحال المراوحة التي تقتله على طريقة الموت البطيء، فتؤدي النتيجة نفسها للزلازل الطبيعية التي تقضي بثوانٍ على الآلاف وعلى البنى التحتية ومقوّمات العيش، فإنّ إحدى ركائز التسوية، التي يمكن أن تخفّف أضرار شلل مؤسساته، أي العنصر السني، شِبه غائبة عن الحلبة السياسية. قد يرمز تداعي أنصار الحريري للنزول إلى الضريح هذه السنة إلى هذا الحنين للزعامة بعدما تعذّر ملء الفراغ الذي تركه الحريري الإبن بسبب تعليقه العمل السياسي منذ مطلع 2022، في وقت لم يملأ أي فريق سنّي الفراغ الذي تركه. فمرجعية رؤساء الحكومات السابقين تراجع وهجها نظراً إلى محدودية دورها خصوصاً أنّ ركناً رئيساً منها هو الحريري منكفئ. ومرجعية دار الفتوى تبقى معنوية أكثر ممّا هي سياسية وفي مناسبات محدّدة. والنوّاب السنّة لم يفرزوا من يمكنهم أن يملأوا الفراغ.

الأرجح أنّ زيارة الرئيس سعد الحريري في الذكرى بداية الأسبوع المقبل، لن تغير شيئاً في المشهد السياسي العام المتعثر، ولذلك ستقتصر على تلاوة الفاتحة من دون إعلان مواقف سياسية، وعلى عقد لقاءات مع بعض الهيئات القيادية في تياره، والاجتماع مع بعض من يزورونه من السياسيين من دون مفاعيل على المشهد السياسي العام.


MISS 3