ريتا ابراهيم فريد

المهندس شربل بركات يتطوّع لإجراء كشف مجّاني على الأبنية المتصدّعة

11 شباط 2023

02 : 01

في ظلّ أجواء المآسي وصور الدمار إثر الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، أعيدت إلى الواجهة قضيّة الأبنية المتصدّعة في لبنان. وفي هذا الإطار، نشر المهندس المعماري شربل ألبير بركات مقطع فيديو أطلق فيه مبادرة فردية لإجراء كشفٍ مجانيّ على هذه الأبنية ورفع تقريرٍ للجهات المختصة. «نداء الوطن» تواصلت مع شربل الذي دعا كلّ المواطنين الى إطلاق مبادرات تخدم مجتمعهم كلّ حسب طاقته ومهنته.




وسط مشاعر الهلع والقلق التي عشناها جميعاً كلبنانيين، كيف خطرت في بالك هذه الفكرة؟

بعد كارثة الزلزال، فكّرتُ بيني وبين نفسي بالمواطنين الذين يسكنون في مبانٍ قديمة أو متصدّعة، وبشعورهم بالقلق الشديد على أطفالهم، لا سيّما أنّهم يحتاجون الى تقرير من مهندس لتقديمه الى البلدية أو إلى الجهات المعنية. وهُنا شعرتُ بواجبي في القيام بمبادرة ما تجاه بيئتي ووطني. وحين تحدّثتُ مع صديق لي عن فكرتي، لفت انتباهي الى مسألة التكاليف التي ستترتّب عليّ ومن ضمنها المواصلات. فأكّدتُ فوراً أنّني سأتّخذها على عاتقي، فهذا أقلّ ما يمكننا القيام به لمجتمعنا في هذه الظروف.

هل حصل أيّ تواصل مع جهات رسمية أو حكومية أو تنسيق مع أيّ جمعيّات؟

بصراحة تواصلتُ مع عددٍ من الأشخاص وبعض الجهات، لكنّ يبدو أنّ هناك نوعاً من الخمول تجاه هذا الموضوع، إضافة الى انشغالات أخرى، وأتفهّم ذلك. لذلك قرّرتُ أن أطلق المبادرة بمفردي. وقد تمّ التواصل معي ضمن أحد البرامج الإذاعية التي تتلقّى المساعدات والشكاوى على الهواء، وطلبوا مني ترك رقم هاتفي كي يزوّدوا به من يحتاج إلى المساعدة.

من أين ستبدأ وهل من خطّة عملٍ أو استراتيجية معيّنة؟

لا شكّ أنّ هناك حالات لأبنية تحتاج الى فريق كبير للاهتمام بها. لكن ما يمكنني تقديمه هو زيارتي المبنى وإجراء كشفٍ عليه، ثم إنجاز تقريرٍ مرفقٍ بالصور. وحين أطلقتُ المبادرة تركتُ رقم هاتفي في آخر الفيديو كي يتمّ التواصل معي. وحالياً أعمل ضمن مناطق الشمال في زغرتا تحديداً، إضافة الى طرابلس. قبل أي شيء، أطلب من المتّصلين أن يزوّدوني بصورٍ للتشقّقات في البيوت التي يسكنون فيها. فبعض المباني لا يشكّل خطورة وبالتالي لا داعي لزيارته. في المقابل، هناك منازل يجب إخلاؤها على وجه السرعة. وقد اتّصلت بي سيدة تشعر بقلقٍ شديد وسألتني إن كان يمكنها أن تبقي طفليها في المنزل أم لا. زرتُها وقمتُ بطمأنتها إلى أنّ التشقّقات في منزلها غير خطرة وطبيعية بسبب النشّ. وهذا الكلام من شأنه أن يخفّف من نسبة القلق على الأقلّ.

بركات مُتفقّداً إحدى الورش



الزلزال أعاد قضيّة الأبنية المتصدّعة الى الواجهة، وهناك حديث عن مخاوف حقيقية خصوصاً في بيروت بعد انفجار المرفأ، إضافة إلى مبانٍ عدّة في طرابلس. هل لديك تفاصيل أكثر عن هذا الواقع؟

علمياً، المبنى الذي بُني بالطريقة التقليدية التي نعرفها (الباطون والحديد) لا يمكن أن يعيش أكثر من 70 أو 80 سنة، حتى لو لم يتعرّض لأيّ حادث أو زلزال أو ما شابه. والمباني في لبنان شهدت حروباً وزلازل وكوارث طبيعية، إضافة للتصدّعات والنشّ والحديد الذي تُرك مكشوفاً للهواء والرطوبة. فمن الطبيعي أن تتعب. وللأسف هناك مبانٍ قديمة في جميع المناطق اللبنانية، والأهمّ أنّها متروكة من دون صيانة.

أنت تعمل في مناطق الشمال كما ذكرت. ماذا تقول للمهندسين اللبنانيين الشباب لحثّهم على إطلاق مبادرات مماثلة في بقية المناطق؟

أدعو جميع من يعمل أو من يتابع دراسته في مجال الهندسة أن يوسّع أفق أبحاثه نحو الشقّ الميداني. الهندسة مجال واسع ويمكننا أن نتعلّم الكثير وأن نطوّر معرفتنا فيها. وحيث إنّ هذه المبادرة قد تطول وقد تستمرّ لأشهر، يمكننا خلال هذه الفترة أن نكشف على أكبر عددٍ ممكنٍ من المباني ونجهّز تقارير عنها ونقدّمها للبلديات. وحين يبادر أيّ مانح الى تقديم المساعدة لأبناء منطقته من أجل ترميم منازلهم، فسوف تكون هذه المستندات جاهزة.

لأي مدى يمكن لهذه المبادرات الفردية أن تساعدنا كلبنانيين على تخطّي الظروف الصعبة التي نمرّ بها اليوم؟

إذا تكاتفنا كلّنا وأطلقنا مبادرات فردية، فسنصل بالتأكيد إلى نتيجة. أدعو كلّ مواطنٍ إلى أن يبادر لتقديم شيء ما لمجتمعه، أيّ شيء حسب قدرته حتى لو كان بسيطاً. هناك مسؤولية حتمية تقع عليّ وعلى الجميع تجاه البيئة التي نعيش فيها. وأنا لا يمكنني أن أتفرّج على عائلات تعيش هاجس القلق على منازلها من دون أن أحرّك ساكناً. وحتى لو عجزتُ عن تحقيق فائدة ملموسة من خلال مبادرتي، لكنّني بلا شكّ أكون قد ساهمتُ في تخفيض نسبة القلق وبثّ القليل من الطمأنينة في نفوس الآخرين. وهذا ما نحن بأشدّ الحاجة إليه في هذه الظروف. وعلى الأقلّ أن يقال: «بعد في خير بهالبلد»، وأنّ هناك من يساعد من دون انتظار مقابلٍ أو بدلٍ ماديّ.


MISS 3