سناء الجاك

ملوك الإستباق والإستدراك

11 شباط 2023

02 : 00

بارعون أصحاب المحور، وفنانون في الهجوم الاستباقي ضدّ كل ما يهدّد نفوذهم أو يكشف شؤونهم الخاصة. وكلّ هجوم يخوضونه يؤكد أنّهم يستطيعون، متى ناسبهم ذلك، تتويج أنفسهم ملوك السيادة، وبلا منازع.

فقد حفل مطلع العام بأحداث تكرّس صفاتهم هذه. بداية، لمسنا مسارعتهم إلى نبذ لجنة التحقيق الأوروبية التي استنطقت جهات مصرفية على خلفية ما يهدّد النظام المالي لدولها، ومن ثمّ استنكارهم محادثات وفدٍ فرنسيٍ مع المحقّق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار. وكلّنا يعلم علم اليقين أنّ ملوك السيادة لا يمكن أن يصمتوا حيال مثل هذه الانتهاكات الصارخة لحرمة وطن أرز الرب. والنتيجة جاءت مبهرة مع انتفاضة إطلاق سراح جميع الموقوفين على ذمّة التحقيق في الجريمة، عقب توقيف بعض أهالي الضحايا في بلطجة مشهودة، بعد فيلم «أكشن» أطاح بالجسم القضائي وزلزله زلزالاً لا ينفع فيه مقياس ريختر أو غيره.

متحوّر جديد من السيادة برز قبل اجتماع باريس الخماسي لبحث سبل لجم الانهيار اللبناني، وذلك على اعتبار أنّ «لبنان لا يتحمّل إملاءات خارجية لا رئاسية ولا غيرها، ومعادلة صيف عام 1982 التي أنتجت رئيساً ورئيسين قد تغيّرت، والمعادلة اليوم لا تسمح بإملاء وفرض رئيس للجمهورية من دول إقليمية أو دولية»، معتبراً أنّ «الحل الوحيد المتاح هو الإسراع ببدء الحوار للوصول إلى توافق لبناني - لبناني، ولا بديل عن التوافق لا اليوم ولا غداً ولا بعد غد». ببساطة، المتحوّر الجديد قد يفوق بخطره مسائل بدائية مثل التفجيرات وخطف الرهائن، وما إلى ذلك. للخبرة وظيفتها وإمكاناتها بعد النضوج الكبير.

وقبل التقاط «أعداء الصمود والتصدي» أنفاسهم ليواجهوا المتحوّر، تابع الاستباقيون حملتهم على الوثائقي الفرنسي الذي يكشف السيرة والمسيرة والتواطؤ الدولي لمصلحتهم، وذلك قبل عرضه. أمّا بعد العرض فالصمت سيد الموقف وعلى جميع الجبهات... «قطوع ومرق»، والأفضل للأصدقاء والأعداء أن يتجاهلوا ما حدث، ويرسّخوا فكرة أنه لم يحدث في الأساس. وذلك بناء على كلمة سرّ لا نعرف من أعطاها ولماذا تم الالتزام بها؟!

قبل البحث بشأن كلمة السرّ، أتحفنا السياديون الجدد ببراعتهم في الاستدراك التنويري. ما أدراك ما الاستدراك التنويري؟! وهذا لعمري فنّ مبتكر من فنون أصحاب المحور.

فقد سارعوا إلى إقامة صلاة الشكر للطبيعة التي أنقذتهم، وحدهم من دون سواهم، عندما ساهمت بطيّ صفحات كل هذا الاحتدام العقيم. وخدمت أصحاب المحور بزلزالها لترمي السيادة أثقالها وتلغي الوقائع وتلغي الحقائق الراهنة، وتنصرف إلى الحيِّز الإنساني الصرف الذي يستوجب استخدام كلّ الآليات المتاحة في ظلمة المأساة لتعويم نظام البراميل المتفجّرة بحجّة أنّ الحاجة تبرّر الوسيلة، وباستخدام عبارات ومفاهيم انتهكها أصحابها وبأعلى المقاييس تناسب الوحوش البعيدين بُعد سنين ضوئية عن الإنسانية والرحمة.

فالفرصة ذهبية لاستثمار كل هذا الدمار والموت والقهر والفقر وإزالة العوائق بحجّة دامغة... وإن مستعارة ومزيّفة. وهذا ما حصل.

ولو أنّ الزلزال وقع في ديارنا لما كان الاهتمام على هذا المستوى. لكن ووفق حسابات كوكب «المشتري» فَهِم أصحاب المحور أنّ الصفقة إمّا تعقد في عزّ الكارثة. أو لن يكون هناك من يبيع ويشتري. وإلى أن يخمد الجدل بين مفهومَي «التطبيع» و»الواجب» يكون من «ضرب ضرب ومن هرب هرب».

لحظة... الفوضى ممنوعة حتى في عزّ المأساة، ولا تعطى المساعدات إلا إلى نظام البراميل، كما يتوجب على من يريد التطوّع الحصول على تصريح أمني. وتسليم المساعدات إلى مبنى المحافظة. فعلاً، يبقى أصحاب المحور على براعة وتفرّد في الاستباق والاستدراك، وعلى جميع الجبهات...