نجم الهاشم

الرئيس ميشال سليمان ومحطّات في القيادة والرئاسة والعلاقة مع"حزب الله" (6 من 7+1)

كيف انتقل من القيادة إلى الرئاسة؟ ماذا عرض عليه باسيل وفرنجية؟ ماذا قال له أمير قطر من عند الأسد؟

11 شباط 2023

02 : 00

الرئيس ميشال سليمان في الأمم المتحدة
قبل 7 أيار 2008 كان العماد ميشال سليمان اقترب من رئاسة الجمهورية. تفاهم الدوحة أتى ليضع انتخابه موضع التنفيذ وبشبه إجماع. ولكن بعد انتخابات 2009 وحصول قوى 14 آذار على الأكثرية عادت المشاكل وأسقط «حزب الله» والعماد ميشال عون حكومة الرئيس سعد الحريري. تدخل أمير قطر وأردوغان ومن عند الرئيس السوري تمّ الإتصال بالرئيس سليمان. فماذا حصل؟ في هذه الحلقة من محطات الرئيس سليمان في القيادة والرئاسة متابعة لتلك التطورات.




وضِعت على العماد ميشال سليمان شروط تتعلق بالثلث المعطل وبتشكيلة الحكومة قبل 7 أيار. مكلَّفَين من مجموعة الممانعة، أتى سليمان فرنجية وجبران باسيل، عندما كانا متَّفِقَين، للقاء العماد سليمان وعرضا عليه عدداً من المطالب منها قانون الإنتخابات والقبول بالثلث زائداً واحداً في الحكومة. تقول الأوساط التي رافقت الرئيس سليمان إنه قال لهما: «إن مسألة قانون الإنتخابات تطرح في مجلس النواب وتحتاج إلى دراسات وعلى ضوئها يُتَّخذ القرار وأنا لا أستطيع أن أعدكم ولا يمكن أن ألتزم بالثلث المعطل». عرضا استلام حقائب وزارية معيّنة وقالا إن هناك حقائب عندهم مشكلة فيها وهناك حقائب لا مشكلة عندهم فيها. قال لهم «جايين تشارطوني قبل الرئاسة، أنا لست ملتزماً بشيء مع أي جهة ولست مرشحاً ولست مؤمِناً أنّني سأكون رئيساً للجمهورية ولن ألتزم معكم».

وازاء انزعاج سليمان حاول فرنجية تطرية الموضوع وطرح إمكانية ان يحصل لقاء مع الجنرال ميشال عون: «بركي منقعد مع الجنرال ومنتغدى». اعتذر سليمان. وقال إنه سبق وزار العماد عون في الرابية كزميل سابق وردّاً على زيارة عون له في مكتبه في سياق زيارته للدكتور سمير جعجع في سجن اليرزة، مضيفاً أنه لا يقوم أصلاً بزيارات «ومش ماشي». غادر فرنجية ونقل أجواء اللقاء وأبلغ السوريين أنّ «الزلمي مش ماشي معنا. ماشي مع 14 آذار وسيطعننا بالظهر وهو ضدنا وضد سوريا والمقاومة». كان هناك موعد لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية فتأجّل الموعد وطارت الجلسة. بعد ذلك اجتمعت قوى 14 آذار وتبنّت ترشيح العماد سليمان في اجتماع في فندق فينيسيا في 2 كانون الأول 2007.



مؤتمر الدوحة في أيار 2008



أجواء ما قبل 7 أيار وما بعده

كان ذلك قبل أن تحصل عملية 7 أيار 2008 وقبل اتفاق الدوحة. كانت هناك أجواء وصلت إلى سليمان حول ترشيحه لرئاسة الجمهورية، بدأت بشكل مبكر قبل أشهر من رئيس كتلة المستقبل سعد الحريري الذي فاتح سليمان بعدم معارضة وصوله الى الرئاسة. كما وصلته أصداء من دول خارجية مؤثِّرة ومن قطر ومن 14 آذار وبالحقيقة أن مؤتمر الدوحة كان مؤتمراً قرّر الموافقة على ورقة لبنانية حملتها اللجنة الوزارية العربية الثلاثية، وقبل اتفاق الدوحة كان ترشيحه قد حصل وكان «حزب الله» قد بدأ يتقبّل الفكرة.

كانت هناك وساطات دخلت فيها دول عديدة من بينها مصر والسعودية وقطر وفرنسا وتركيا وسوريا وجاء وفد من جامعة الدول العربية لهذه الغاية وكانت كل الإقتراحات تلتقي حول فكرة أن يكون ميشال سليمان رئيساً للجمهورية. اتفاق الدوحة كان استكمالاً لهذه الإتصالات ولتذليل العقبات التي كانت لا تزال تحول دون هذا الانتخاب ومنها موضوع قانون الإنتخابات والثلث المعطل. لم يكن هناك خلاف حول من سيكون رئيساً للجمهورية. كان صار معروفاً أنه قائد الجيش.

عندما قبِل المجتمعون في الدوحة بهذه الشروط قبِل سليمان أن يكون رئيساً. تمّ الإتصال به من الدوحة وتبلّغ بالتوافق عليه وببنود التفاهم وبأنه سيكون له ثلاثة وزراء في أول حكومة. طلب الثلث المعطل. عرضت عليه حقائب الداخلية والدفاع ووزير ثالث. وافق. وزارتان أمنيتان أساسيتان تبقيان أفضل من 11 وزارة على أساس أنّ الرئيس هو القائد الأعلى للقوى المسلحة ولأنّ التوافق الذي حصل هو أهم من عدد الوزراء. تعيين الياس المر وزيراً للدفاع جاء تبعاً للتوزيع الطائفي الجديد على قاعدة المداورة حيث سُمِّي للداخلية وزير ماروني.



الرئيس ميشال سليمان وحكومة الرئيس سعد الحريري



إنقلاب المعادلة وانتخابات 2009

انتُخِب سليمان وتشكّلت أول حكومة برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة وحاول تجنّب الخلافات لتسيير أمور البلد ولكن لم تكن المسألة بهذه السهولة. لم تستعمل قوى 8 اذار الثلث زائداً واحداً لإسقاط الحكومة وحصلت انتخابات 2009 وعادت قوى 14 آذار لتحصل على الأكثرية النيابية.

كان «حزب الله» مع العماد ميشال عون يراهنان على أن تكون الأكثرية النيابية إلى جانبهم ومن خلالها يتحكّمون بالعهد وبتسمية رئيس الحكومة الذي يريدونه وبنيل الحقائب التي يريدونها وبمحاصرة رئيس الجمهورية. ولكن الإنتخابات قلبت المعادلة ونقلت المواجهة إلى انقلاب على الأكثرية النيابية وعلى حكومة الرئيس سعد الحريري التي تشكلت بعد الإنتخابات وتغيّرت فيها التركيبة الوزارية. لم تكن قوى 14 آذار بوارد إعطاء «حزب الله» وحلفائه الثلث المعطل فبرزت مسألة التعطيل الكامل للحكم.

كان الحل عن طريق توزير الدكتور عدنان السيد حسين. سمّاه الرئيس سليمان. طلب أن يكون له 5 وزراء محسوبين عليه ثلاثة مسيحيين وواحد سني وواحد شيعي. تمّ طرح أسماء عدد من الشخصيات الشيعية من قبل فريق 8 آذار على الرئيس سليمان لتسمية أحدهم فلم يقبل بهم سليمان على رغم أنّ بعضهم من أصدقائه.

سمّى سليمان «العدنانين»، عدنان القصار والدكتور عدنان السيد حسين الذي كان من ضمن فريق اختاره سليمان ليساعده من ضمن لجنة الحوار التحضيرية وكانت تضم مجموعة من المفكرين والباحثين الذين يساعدون ويُعِدّون أبحاثاً من دون مقابل. حجّة 8 آذار كانت أنهم إذا لم يحصلوا على الثلث زائداً واحداً فلن يحصلوا على أي منصب في التعيينات الإدارية التي تتطلّب الثلثين من عدد الوزراء وقد وجد الرئيس سليمان مخرجاً لهذه الأزمة من خلال طرح آلية للتعيينات. قبِل الرئيس سعد الحريري والرئيس نبيه بري بهذا الطرح.



الرئيس سليمان وحكومة الرئيس فؤاد السنيورة



طمأن سليمان فريق 8 آذار أنه إذا حصل إخلال بهذه الآلية وأرادت قوى 14 آذار أن تتجاوزها باعتماد الثلثين لتسمية كل المدراء العامين ومن يماثلهم، يعطّل هو القرار في مجلس الوزراء ليس بالوزير الشيعي ولا بالوزير السني بل بوزير مسيحي محسوب عليه. أما إذا جاء التعيين بأكثر من الثلثين فيُعتَبَر الأمر مقبولاً. وذلك لتحقيق التوازن وكسر أي محاولة للهيمنة على التعيينات بكاملها، وإن تسمية 5 وزراء من قبل الرئيس تمنع أصلاً حصول هيمنة مطلقة وتجاوز الكفاءة وتؤمِّن تعادل الفرص لكامل اللبنانيين. كانت الحكومة 20 بـ 10. ولكن عندما قرّرت قوى 8 آذار مع «التيار الوطني الحر» إسقاط الحكومة مشى معهم الوزير عدنان السيد حسين بخلاف ما كان اتفق عليه مع الرئيس سليمان.

برّر هذا الأمر لاحقًا في أنّه ما كان يستطيع أن يخالف البيئة الشيعية ثم صرح أنه كان يريد منع حصول خلاف سني- شيعي. هكذا أُسقِطت حكومة الرئيس سعد الحريري في 12 كانون الثاني 2011 عندما كان في زيارة إلى واشنطن للقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما في المكتب البيضوي في البيت الأبيض وفي الوقت الذي كان فيه لبنان عضواً غير دائمٍ في مجلس الامن للسنة الثانية على التوالي حيث لعب دوراً مميزاً عامي 2010 و2011 وترأس لبنان المجلس لمدة شهر من كلا السنتين.

وقد دعا لبنان المجلس إلى اجتماع حول حوار الثقافات ترأسه الحريري عام 2010 كما دعا الى اجتماع آخر في 2011 ترأسّه سليمان نوقشت خلاله الدبلوماسية الوقائية وصدرت بنتيجته توصيات هامة. هذا الإنقلاب على الديمقراطية كان انقلاباً أيضاً على تفاهم الدوحة الذي كان يبدو أنّه لم يُنفَّذ إلّا في الحكومة الأولى للعهد. هذا الإنقلاب كان سببه المعلن قضية ما سمّي شهود الزور في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ولكن السبب الحقيقي كان الإنقلاب على المحكمة الدولية. بعد ذلك تمّ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي رئاسة الحكومة. ومسألة تكليفه، بعد تحديد الرئيس سليمان موعداً للإستشارات النيابية ثمّ تأجيله، أثارت بلبلة وشكوكاً.

نصرالله يرفض عودة الحريري

كان بدأ يظهر أن قوى 8 آذار مع «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» لا يريدون عودة الرئيس سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة بعد الإنقلاب عليه وإسقاط حكومته. وكانوا قادرين على التأثير على بعض الفئات لقلب الأكثرية النيابية لمصلحتهم. التقى أمير قطر الشيخ حمد بن خلفية آل ثاني الرئيس السوري بشار الأسد في دمشق مع رئيس وزراء تركيا رجب طيّب أردوغان. من هناك اتصل الأمير بالرئيس سليمان. قال له: «فخامة الرئيس أنا أحكي معك من عند الأخ الرئيس بشار. جئنا من أجل المساعدة في حلّ مسألة تشكيل الحكومة في لبنان وتفاجأنا أنّك عيّنت موعداً للإستشارات النيابية». كان يوم الإثنين.17 كانون الثاني 2011. حصلت الإقالة في 12 كانون الثاني يوم الأربعاء بينما كان الحريري في واشنطن وقد زار تركيا يوم الجمعة 14 كانون الثاني.

كان سليمان، حدّد موعداً للاستشارات الملزمة في 17 و18 كانون الثاني 2011، قبل أن يسارع عشية هذا الموعد إلى تأجيلها أسبوعاً إلى 24 كانون الثاني و25 منه، بذريعة إجراء مزيد من المشاورات. مفارقة ذلك الحين، أنّ رئيس الحكومة كان الرئيس سعد الحريري، وصاحب اليد الطولى في اطاحة حكومته كان العماد ميشال عون عندما رعى من الرابية استقالة الثلث+1 من الوزراء. ثم كانت الصدمة التالية للحريري عندما ترشّح لتأليف الحكومة في وجه الرئيس نجيب ميقاتي، وخسر بفارق ثمانية أصوات أمامه.

قال سليمان للأمير إنّه «ليس هناك مشكلة، صلاحياتي الدستورية تسمح لي بتأجيل الإستشارات من أجل مصلحة البلاد إذا كان هناك مسعى للمساعدة على حلّ الأزمة». قال له الأمير: «تمام. هل يمكن أن نرسل رئيس الحكومة ووزير الخارجية حمد بن جاسم ووزير الخارجية التركي داوود أوغلو من أجل القيام بوساطة؟». رحّب سليمان بالفكرة وقال «طبعاً». يوم الثلاثاء 18 كانون الثاني حوالى الساعة الرابعة بعد الظهر كان يستقبلهما في القصر الجمهوري...

يتبع الخميس 16 شباط:

لماذا فشلت وساطة قطر عند نصرالله؟

ما قصة القمصان السود وتكليف ميقاتي؟

«حزب الله» في سوريا. بماذا نصحه سليمان؟