رمال جوني -

مجسّمات الضيعة... فنّ العودة إلى الأصالة بوجه البطالة

13 شباط 2020

08 : 31

"ضيعة ضايعة" صورة مصغّرة عن لبنان

رفض الشاب علي سلوم الرضوخ "للبطالة" بعد توقف عمله منذ أربعة أشهر، قرر استغلال وقته في صناعة مجسمات الضيعة الاقرب لقلبه، وهو الذي يخاف على ما تبقى من بيوت تراثية ان "تندثر"، فاستغل موهبته في بناء مجسمات صنعها من مواد عادة ما تُرمى واخرى بسيطة، من بقايا الاوراق والاسفنج والفلين ومواد يعمل على ابتكارها بنفسه، تمكن من بناء مجسم "ضيعة ضايعة" صنع حجارته من الفلين وشيده باحترافية عالية.

ساعات يمضيها سلوم في تشييد منازله الحجرية القديمة، يصنع الحجارة من الفلين، يلونها ثم ينطلق ببنائها، مستغلاً خبرته في عالم الديكور، يضع التصميم ثم يحوله حقيقة، على امل ان تصبح مجسماته واقعاً.

شهر هي المدة التي استغرقها سلوم لانجاز مجسمه "ضيعة ضايعة" بكل تفاصيله، بعد ان وضع التصميم له، بدأ في التنفيذ وكأنه يمتحن الفراغ بالابداع، يقول: "استفدت من الوقت، فما اقوم به يحتاج دقة وصبراً وتركيزاً، الخطأ ممنوع".

قفز فوق معاناته الاقتصادية، اختار "ضيعة ضايعة" لقربها من واقع حياتنا، يراها "تمثل السلطة والشعب، فهناك دوماً من يتحكم بمصير الضعفاء، وبحكم موت الضمير يصبح احتلال الشعوب اقتصادياً مشروعاً بنظر السلطة، وعلى حد قوله "استمر اسعد يدوّن دين جودي على الدفتر سنوات، كما فعلت دولتنا دونت الديون على الدفتر ولكن من سيدفع الثمن".

وينجز مجسماته بإمكانيات بسيطة، ويوضح: "بعضها جمعته من الحقل لاكمل تفاصيل المنزل، ومجسم أم الطنافس صورة عن لبنان، حيث يستغل القوي الضعيف، ويسرق خيراته، ويسجلها على الدفتر، والدين يكبر والبسيط يأكل الضرب".

ينطلق سلوم عادة من فكرة التراث، يخشى ان تندثر كل المنازل الحجرية، يرمي باللائمة على التمدد العمراني، وغياب الحرص على هذه المنازل، يعتبر ان "البيت القديم هو الاصالة والمحبة التي ضاعت في غياهب الهواتف الصامتة، والعصرنة التي سرقت القيم، وهذا باعتقاده ما اوصلنا الى حالة افلاس فكري وثقافي واقتصادي في آن، لان البيت القديم يعني محبة، وهي ما نفتقده اليوم". ويؤكد ان المواطن كان احرص على بيئته من عصر التطور، وكان اكثر فعالية والتصاقاً مع محيطه، يملك زمام المبادرة للدفاع عن حقوقه.

قبل اربع سنوات انجز سلوم مجسم الضيعة بكل تفاصيلها، وضمنها القطار السياحي، لتكر بعدها سبحة اعماله التي عادة ما تكون من وحي "البيت التراثي". ويؤكد سلوم على ارتباطه الوثيق بالارض والتراث ويقول "عشقي للضيعة دفعني لاحمي منازلها بمجسمات صغيرة".

يوثّق بفنه "سياحة التراث" التي تواجه "خطر الاندثار، جراء تمدد العمران وتقلص المساحات الخضراء"، ويؤكد ان عمله الفني هو "بمثابة انذار اخير لما يهدد البيئة التراثية ببيوتها العتيقة الآيلة للاندثار، اذ يوجد استخفاف بقيمة البيت القروي، رغم ما يحفظه من تاريخ ثوري ونضالي، ولكن العصرنة غلبت الاصالة، يأسف ان هناك من يهدم البيت القديم ليبني متجراً فارغاً فقط لتحقيق الاموال، وتناسوا ان التراث ارث غني".


أسعد وجودي

يقدم سلوم نموذجاً عن التحدي الذي يواجه شباب اليوم الذين يُتركون لمصير مجهول، وبرأيه "ضيعة ضايعة وتحديداً شخصيتي اسعد وجودي صورة مصغرة عن لبنان، عن استغلال الطبقة السياسية للشعب للبناني، فعادة ما يجري استغلال طيبي القلب لتحقيق مآرب السياسة، وهذه الصورة حقيقة مرة عن مجتمعنا البسيط الذي يغرق بالازمات".

لا يتوانى سلوم عن التخطيط لاعمال فنية ذات ابعاد تراثية، اذ يكشف لـ"نداء الوطن" انه بدأ التحضير لمجسم اكبر، وانطلق في وضع التصور الاولي له وانه سيكون نقلة نوعية لاعماله الفنية، التي عادة ما تخرج من رحم ازمته.

ويعتب على تجاهل الدولة لطاقات الشباب، ويدعو وزارة الثقافة لتهتم بالارث الشبابي، لما يمثله من بوابة سياحية مهمة للبنان، ويقول ان اعماله تنم عن خوف من خسارة ارثنا التراثي، "اجهد ان اقدم نموذجاً فريداً، واطمح ان احول المجسم حقيقة ويصبح متحفاً بكل ما يحمله من ارث عتيق". لا يتردد بالقول: "في دول العالم تبحث السلطة عن المبدع وتدعمه، تقيم له المعارض، الا في لبنان تهمشه ولا تسأل عنه".

قد يكون سلوم اختار بسط ابداعه على مساحة مصغرة ضمن منزله، ولكن اعماله تصلح لتكون بوابة سياحية للبنان، اذ يندرج فنه ضمن سياحة الفن التراثي، سبقه الفنان يوسف شعبان الذي انشأ قلعة شعبان التراثية في بلدة خربة سلم وحولها منارة سياحية في الجنوب، وكذلك حال خليل برجاوي الذي سخر موهبته في جمع الطوابع وفتح متحفه في بلدة تول لما يشكله الطابع من جواز سفر الى حضارات العالم وثوراتها الشعبية التي خاضتها ضد المحتل والفاسد، وكلها اعمال فردية لم تمتد يد الدولة اللبنانية لدعمها ووضعها على خريطة السياحة الجنوبية، فرغم غنى الجنوب بالاماكن السياحية الا انه لم يتم وضعه على الخريطة.