وليد شقير

"العواقب السلبية" وتشاؤم الحريري

17 شباط 2023

02 : 00

ها هي «الانعكاسات والعواقب الوخيمة والسلبية» التي حذّر منها سفراء الدول الخمس لاجتماع باريس بسبب عدم انتخاب رئيس للجمهورية ترتسم على المسرح اللبناني، من دون أن تقرر الدول الأوروبية وأميركا أو حتى الدول العربية أي عقوبات أو إجراءات ضد فرقاء يعطلون ملء الفراغ الرئاسي.

«عواقب» الشغور تقع على كاهل اللبناني العادي، وعلى القيادات الرئيسة في البلد، ولا سيما تلك التي تلتف على الانتخابات الرئاسية بالورقة البيضاء ثم بتهريب النصاب، وإن كانت تتهم الفرقاء الآخرين الذين ينزلون إلى المجلس النيابي ويقترعون لمرشحهم، بالتعطيل. فحتى عندما يلجأ المتضررون من التعطيل إلى ممارسته من باب المعاملة بالمثل، تجنباً لارتكاب خطأ 2016 بالإذعان لانتخاب العماد ميشال عون، يتم اتهامهم بما ابتدعه محور «الممانعة» نفسه ومارسه منذ عشرين سنة من دون أن يرف له جفن.

فهذا المحور يعتبر أنّ كلّ وسائل ليّ الذراع بالقدرات العنفية المميتة، واتخاذ الناس دروعاً بشرية سواء بالقوة وفائضها، أو بالتضييق على حياتهم اليومية، ووضعهم أمام «الخيار الذي لا يمكنهم رفضه»، مشروعة في قاموسه السياسي. فهو يقنع نفسه بداية ثم ينتظر أن يسلّم له الآخرون بما يريد، طالما هو قادر على إقناع بعض الجمهور بأنه يخوض حرباً وجودية، باسم الشعارات الرنانة والعقيدة السياسية والتعبئة الدينية.

لا حاجة للدول الخمس التي تضغط لانتخاب رئيس أن تلوّح للقوى السياسية المعطلة لانتخاب الرئيس بالانعكاسات والعواقب السلبية. فالعواقب ظهرت وسيظهر منها ما هو أدهى وأكبر في المستقبل القريب.

ما شهده البلد بالأمس من فوضى وعبثية على مستوى المصارف والدولار والأسعار والقضاء والفلتان الأمني، وتحلل أجهزة وإدارات الدولة وشللها في القطاعات كافة ولا سيما في قطاع التربية، قد يكون البداية التي سيحصدها اللبنانيون بمن فيهم الموالون للزعامات والأحزاب التي انتخبوها وارتضوا أن تقودهم إلى التعافي، فيما هي تتخذهم متاريس لسياساتها العبثية.

كل هذا يواكبه عجز المؤسسة التشريعية عن سن القوانين، في ظل فوضى وضحالة في تسويغ الانقضاض على أصول التشريع، واستعاضة ما تبقى من السلطة التنفيذية بالتنظير والمداورة والادعاءات والوعود، عن اتخاذ قرارات المعالجة الفعلية وابتداع وسائل التخفيف من الأضرار...

تشاء الصدف أن الذروة الجديدة للتدهور في أحوال البلد إلى حدّ الاقتراب من اكتمال تحلل الدولة وانهيار انتظام المؤسسات كافة، تحصل بالتزامن مع مناسبة إحياء الذكرى الثامنة عشرة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتي تميّزت هذه السنة بأنها لم تقتصر على تأكيد حضور الحريرية السياسية في الوجدان اللبناني الشعبي، بل على افتقاد المسرح السياسي لدور وريثها ورموزها، وذلك من باب النوستالجيا إلى ما كان يمكنها أن تساهم فيه لمواجهة العجز الذي يتحكم بالإدارة السياسية للبلد.

ومهما كان الموقف من الحجج التي يواصل الوريث سعد الحريري سوقها في تبرير تعليقه العمل السياسي، وأخذ يرددها خلال ما يناهز الـ72 ساعة التي أمضاها في البلد، فإنها بدت أقرب إلى الصواب بالنسبة إلى كثيرين. فهو قال لبعض من التقاهم من السياسيين ولبعض الإعلاميين في تبرير عزوفه عن الاشتراك بالانتخابات: لو كان لدي كتلة نيابية ماذا كنت لأستطيع أن أفعل في ظل هذه المعادلة القائمة؟ هل كنت لأتمكن من المساهمة بإنهاء الفراغ الرئاسي بهذه الكتلة؟ ويشير إلى أن وليد جنبلاط يسعى من أجل اختراق ما في المراوحة، لكنه لم يستطع... ذهب سعد الحريري أبعد من ذلك في ما يشبه اليأس من التركيبة السياسية الراهنة بقوله إنه حتى لو انتخب رئيسٌ للجمهورية، سيطلبون من سعد الحريري أن يسمي رئيساً للحكومة، فإذا نجحت التسوية عليه، سيفشّلوه ثم يحمّلون المسؤولية للحريري.

باتت المشكلة في التركيبة السياسية الداخلية حيث أنها لا تقتصر على إعاقتها انتخاب رئيس للجمهورية بل في استمرارها في إدارة البلد بعد انتخابه.


MISS 3