وليد شقير

تصعيد "الحزب" تحسّباً لاستضعافه

20 شباط 2023

02 : 00

لماذا يتعاطى الوسط السياسي الممانع لمحور «الممانعة» هذه المرة بالتقليل من أهمية التهديد الذي أطلقه الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله سواء إلى الداخل منذراً «جماعة أميركا» بأنهم «سيخسرون»، او الى أميركا نفسها بأنه سيردّ على رعايتها الفوضى و»سنمدّ أيدينا وسلاحنا إلى اليد التي تؤلمكم وهي ربيبتكم إسرائيل؟».

هل السبب أنّ الإنذار الذي أطلقه نصرالله كما يقول بعض معارضيه إنّ كلامه متناقض؟ أم أنه كما في حالات كثيرة سابقة يقوم بمطالعة تطغى عليها «لبننة» الموقف في وقت هو يقصد توظيف التذرّع بالفوضى التي يتهم أميركا بالتسبّب بها، فيما الرسالة إلى الشيطان الأكبر تعود إلى الضغوط التي تعرّضت لها إيران؟

فالسيد نصرالله حذّر بعض اللبنانيين الذين يتعاطفون مع الاحتجاجات في إيران منذ أيلول الماضي بقوله «هناك قوى سياسية، وفي المنطقة هناك دول وقوى إقليمية راهنت وفي الكيان الصهيوني أيضاً راهنت، وحللت، وتحدثت عن أن إيران على طريق الإنهيار والسقوط، وأن المسألة مسألة أيام أو أسابيع أو شهور. ولكل الذين راهنوا في السابق أو اليوم أو في المستقبل أقول لهم حساباتكم خاطئة ورهاناتكم سراب وأوهام وستصلون إلى نتائج خاطئة جداً وسلبية جداً...».

استنتج السيد أن بعض اللبنانيين أخذوا يستضعفون أدوات إيران الإقليمية بسبب أزمتها الداخلية، التي لا يعتبرها أزمة (لأن من يتظاهرون «بضع عشرات أو مئات أو آلاف» كما قال)، وباتوا يتعاطون مع «الحزب» على أنه لم يعد قادراً على فرض ما يريد، في رئاسة الجمهورية. اعتبر أنّ خصومه أخذوا «يتنبأون بنهايات محور المقاومة ونهايات المقاومة في لبنان»، وأقرّ بأن المراهنة من قبل البعض على تطوّر أزمة إيران تعني التأثير على الدول التي لها فيها نفوذ ومنها لبنان.

بقدر ما يؤكد «الحزب» بهذا الموقف ثقة عالية بالنفس وبقدرة النظام الإيراني على مواجهة الأزمة، فإن كلامه يهدف إلى تبديد القلق لدى جمهوره وكوادر حزبه، خصوصاً أنّ بعض قادة «الحزب» لم يتردّدوا في طرح الأسئلة حول مدى نجاعة القمع الذي يمارسه «حرس الثورة» ضد الاحتجاجات الشعبية والشبابية والنسائية.

إذا كان رفع اللهجة ضد أميركا و»جماعتها» في لبنان، لأنّها تحاصر لبنان وتسبب الفوضى، فإن كثراً من اللبنانيين ومن بينهم معارضون لـ»الحزب» يشاركونه انتقاد التضييق الأميركي والغربي على البلد، بحجب المساعدات عنه. فهؤلاء يرون أنّ تذرع دول الغرب بالفساد والهدر وبالتأخر في الإصلاحات لا يمنع مدّه بالمال، مع الرقابة في شأن إنفاقه، كي ينتعش اقتصاده تدريجياً ليخرج من الحفرة التي هو فيها.

بل إن هؤلاء يعطون الأمثلة عن توظيف الغرب والإدارات الأميركية المتعاقبة الأموال في دول مثل أفغانستان والعراق، من دون تنفيذ إصلاحات مطلوبة. ومع ذلك هو يتهمهم بالتبعية. لكن المفارقة أن هؤلاء يقرّون بأنه لا بدّ من تغيير في تكوين السلطة التي قبض «الحزب» على ناصيتها وحوّلها إلى وسيلة ترفد مشاركته في مشاريع طهران الإقليمية، وهو لذلك قبل بتغطية فساد حلفائه، وبات متهماً بالانغماس فيه. لكنه ليس قادراً على التأقلم مع تغيير في السلطة، إذا كانت الإصلاحات باتت تحتاج إلى تركيبة من نوع آخر، وبالتالي هو ليس مستعداً للتسوية التي يدعو إليها عبر الحوار، حول ملء الفراغ الرئاسي، فيقرأ خصومه هذه الدعوة على أنها تكرار لتجربة رئاسة العماد ميشال عون.

المفارقة الأخرى في موقف «الحزب» أنّه اعتبر أنّ تحميل اجتماع باريس للدول الخمس المسؤولية عن انتخاب الرئيس «صحيح»، بعدما استبقه قادته بالإعلان عن أنّه لو اجتمعت كل دول العالم لن تستطيع أن تفرض رئيساً علينا». وإذا كانت الدول الخمس عجزت عن الاتفاق على مرشح لطرحه على اللبنانيين، فإنّ ما أراده قد تحقق، لكن «الحزب» ليس مستعداً للاتفاق مع سائر الفرقاء على الاسم البديل لعجزه عن «لبننة» الاستحقاق. وهو بذلك يخدم الدول الساعية إلى الفوضى التي اعتقد قبل سنوات أنها تعزز نفوذه على البلد لأنه الأقدر على تلقفها، فهل اكتشف أن الانزلاق إلى الفوضى سيضعفه؟

في وقت مبكر من العام 2019 التقى السيد نصرالله حليفه جبران باسيل الذي أبلغه بأن دول الغرب ستتشدّد حيال لبنان بعدما أخذت خزينته تنضب وبعد استنفاد معظم أموال المودعين، وستشترط عليه إصلاحات لا بدّ منها، فكان جوابه أن الغرب في هذه الحال سيسلمه البلد. والمقصود أنّ حزبه قادر على الصمود أكثر من سائر القوى حيال الضغوط. فهل ما زالت هذه قناعته؟