مايا الخوري

غريتا عون: خياراتي محكومة بنضجي وأتمنّى دوراً مفصليّاً في مسيرتي

22 شباط 2023

02 : 00

تتميّز الممثلة غريتا عون بقدرتها على تحويل أي شخصية مهما اختلفت مساحتها في المسلسل إلى دور أساسي مميّز، بفضل أسلوبها العفوي في الأداء وخبرتها القيّمة التي اكتسبتها على مدار السنين. تطلّ حالياً في دور "لميا" في مسلسل "أسماء من الماضي" (إنتاج وإخراج إيلي سمير معلوف، قصة وسيناريو وحوار، زينة عبد الرازق) ، كما في "عنبر 6" الجزء الثاني المرتقب عبر منصة "شاهد" (إخراج علي العلي، تأليف دعاء عبد الوهاب). فضلاً عن مشاركتها كضيفة في مسلسل "بلاك ماركت" (إخراج إيلي حبيب، تأليف أحمد عادل وإنتاج إيغل فيلمز). عن أعمالها ومسيرتها الفنية تتحدث إلى "نداء الوطن".



إعتدنا مشاركتك في شخصيـــــــات مركّبة وصعبة، ما الذي جذبك إلى شخصية "لميا" في مسلسل "أسماء من الماضي"؟

أعشق الشخصيات المركّبة والصعبة التي تتطلب حالة إستثنائية في الأداء وتقمّصاً عميقاً للدور، لأنها بعيدة عنّي شكلاً ومضموناً. أنا حريصة على خياراتي الفنية، لذا أرفض الأدوار الهامشية التي لا تضيف شيئاً إلى مسيرتي، وأحاول أن أجعل الشخصية التي أؤديها عميقة لها أبعاد معيّنة.

جذبني إختلاف "لميا" ما بين الماضي والحاضر والمستقبل، وكيف فرضت الأحداث والظروف، تقلبات وتطوّرات كثيرة على شخصيتها ما تطلّب تنوّعاً في الأداء. لا تمثّل "لميا" إمرأة مستقلة وناجحة ومرحة فحسب، بل هي امرأة تمكّنت بمفردها من تخطّي وجع سنين.

أحببت الشقّ الفكاهي في شخصيتها أيضاً، لأنني اشتقت إلى الكوميديا، فاستندت إلى هذا التفصيل الصغير محافظة على العفوية في الأداء. وطالما هي امرأة منفتحة وقوية ومستقلة وواثقة بنفسها، اهتممت بإطلالة مناسبة لها.

أمّا في ما يتعلق بالشق التراجيدي، فاستدعيت مشاعري الخاصة موظّفة أحاسيسي الصادقة خدمة للشخصية، لأنه لا يمكن إقناع الجمهور بدور لست مقتنعة شخصياً به.



من المرتقب عرض الجزء الثاني من مسلسل "عنبر 6"، أي منحى ستتخذ شخصية "دلال"؟

لست مخوّلة التحدث عن الدور قبل انطلاق العرض، إنما يمكن القول إنها تجربة جميلة جداً، لأنني أحببت أسلوب إخراج "علي العلي"، وإحترافية فريق العمل، والإهتمام بالتفاصيل الصغيرة والكبيرة بدقّة عالية، فضلاً عن اختيار كاست مهمٍّ جداً.

برأيي، أي مسلسل ناجح هو نتاج عمل متكامل ما بين الكاست والإضاءة والتصوير والديكور والأمور اللوجستية وغيرها، لذا يؤثر أي خلل في تفصيل واحد سلباً في العمل كلّه. صحيح أن حواراتي في هذا المسلسل محدودة إنما تطلبت مجهوداً كبيراً وتركيزاً في الأداء.



إنتقد بعضهم أحداث الجزء الأول معتبراً أن بعض الأمور بقيت عالقة بلا معالجة منطقية، ما رأيك؟

طرح المسلسل قضايا حقيقية لنساء سجينات تحدثن عن الأسباب التي أدّت بهنّ إلى السجن، والمشكلات التي يتعرّضن لها داخله. بقيت بعض القصص عالقة من الجزء الأول كمبرّر لوجود الجزء الثاني، الذي سيستكمل قصص بعض السجينات، وسيكشف أحداث ما بعد الحريق، فضلاً عن دخول شخصيات جديدة مؤثرة في سياق القصة، ما سينعكس مفاجآت ويزيد من عناصر التشويق.



ما تفاصيل مشاركتك كضيفة في مسلسل "بلاك ماركت" مع المخرج إيلي ف. حبيب؟

أنا متحمّسة لتعاوني الأوّل مع المخرج إيلي حبيب. أؤدي شخصية معلّمة نكتشف من خلال دورها ما يتطلبه التعليم من اتخاذ مواقف إنسانية، فلا يقتصر على التدريس فحسب، بل يتخطاه ليصبح فاعلاً وإيجابياً تجاه الطلاب. إنه رسالة إنسانية جميلة.



إنطلاقاً من مشاركتك في أعمالٍ من إنتاج منصّة رقمية، ما هي الفرص التي أتاحتها تلك إلى الممثلين اللبنانيين؟

لقد أفسحت في المجال أمام تأمين فرص عمل لعدد كبير من الممثلين اللبنانيين ما أنعش السوق الدرامية في ظل الأوضاع السيئة التي نعيشها اليوم. كما مهّدت أمام تعاونهم مع ممثلين كبار من العالم العربي، في إطار الإنفتاح الثقافي وتبادل الخبرات واكتساب المهارات الجديدة. إلى ذلك، ساعدت الممثل اللبناني على الإنتشار عربياً، فلم يعد محصوراً بالحدود الجغرافية، ومثال على ذلك "ستيليتو" و"الثمن" وغيرهما. من جهة أخرى، تشكّل مشاركة الممثلين اللبنانيين في أعمال مهمة ومحترفة على الصعد كافة، فرصة لإثبات أنفسهم وإبراز مواهبهم والمنافسة على المستوى العربي. هذه الأمور مجتمعة تساهم في تطوّر الذوق الفنّي لديهم وتحفيز المنافسة.



تتميّز غالبية الأعمال الرقمية بخليط عربي يتخطى مثلث "لبنان سوريا مصر"، فما رأيك في ذلك؟

صحيح، ومثال على ذلك "عنبر 6" الذي ضمّ ممثلين من لبنان والعراق والسعودية والكويت والأردن. أؤيد الخليط المماثل لأنه إضافة كبيرة للعمل وهو يسهّل إنتشاره، شرط أن تكون القصة محبوكة على قياس كل واحدٍ منهم ومُقنعة لئلا يشعر المشاهد بأن ثمة إستخفافاً بذكائه. نجد في كل مجتمع عربي خليطاً من الجنسيات، وطالما أن الدراما تعكس الحياة، فلا بدّ من أن تكون القصة واقعية ومقنعة تعبّر عن هذا المجتمع.



بمَ تختلف إنتاجات المنصات عن الإنتاجات التقليدية المخصصــــــــة للتلفزيون؟

لاحظت من خلال مشاركتي في مسلسل "أسماء من الماضي" أن ثمة جمهوراً واسعاً يتابع الشاشة وهو مختلف عن جمهور المنصّات. أرى أن الإختلاف بين الإثنين ينطلق من إمكانات الشركة بحدّ ذاتها على الإنتاج، حيث هناك شركات محدودة الإمكانات لا تملك القدرة على تقديم أعمال ضخمة، إنما يُفترض بأي عمل درامي تلفزيوني أن يتميّز بنوعية جيّدة ومحترفة بمشاركة أناس مختصين في هذا المجال.



بعد اكتساب خبرة مهنية كبيرة، هل تجدين صعوبة في تحديد خياراتك الفنية؟

أبداً، لا صعوبة في تحديد خياراتي المحكومة حالياً بنضجي وقراءتي للأمور، وبإدراكي أكثر لأهدافي. من هنا أتمنى تأدية دور يشكّل نقطة تحوّل فعلية في حياتي المهنية، وانتحال هوية جديدة تتطلب جهداً كبيراً يملأ الفراغ الذي أعيشه بعد انتهاء كل دور. إنها مشكلة فعلية لديّ، وأظنّ لدى معظم الممثلين أيضاً. عندما نضع أقنعة مختلفة في التمثيل، لا نتمتع بالدور بحد ذاته، بل يكون نوعاً من العلاج النفسي للتحرر من هموم الحياة. أحبّ لعب الدور الذي يفسح في المجال أمام تحليل الشخصية ودراسة حياتها والتفكير بانفعالاتها وكيفية تصرفها ونبرة صوتها وماذا تحبّ وتكره، لأبني من خلالها أبعاداً وعمقاً معيناً، ما يشعرني بالتجدد في الأدوار والتمايز بين الشخصيات.



أي أدوار تتطلّب طاقة تمثيلية عالية وإعداداً مكثفاً ولماذا لا نجد أدواراً مماثلة في الإنتاجات المحلية؟

الأدوار التي تستقطب جزءاً كبيراً من حياتي وتتطلّب مجهوداً وطاقة كبيرة، وأحياناً تغييراً لافتاً في الشكل والجسم، فإمّا نكتسب وزناً أو نفقده، أو نقوم بتمارين مكثفّة لإعداد الشخصية مثل الشخصيات التاريخية المعروفة، فنغيّر نبرة الصوت أو طريقة المشي أو تعابير الوجه لنصبح جزءاً من الشخصية، فنقتنع بها ومن خلالنا يقتنع الجمهور.

يحتاج نجاح الأدوار الإستثنائية الصعبة إلى عوامل مساعدة، فلا يستطيع الممثل تحقيق النجاح بمفرده من دون الدعم اللازم، لذلك أشدد دائماً على أهمية الإعتناء بالتفاصيل بدءاً من التصوير والتوليف فالديكور والإخراج والإضاءة وتقطيع المشاهد وغيرها، لأنها إن توافرت كما يجب أضافت إلى جمالية الدور والأداء. لا تتوافر هذه العناصر دائماً في الأعمال اللبنانية، لذا نرى أحياناً أن الممثل قد قام بمجهود كبير، إنما لم تنعكس قدراته وأداؤه على الشاشة بسبب غياب أحد العناصر التي تحدثت عنها.



هل تتابعين الأعمال المسرحية وما رأيك فيها؟

أتابع الأعمال المسرحية الجديدة فرحةً بطاقات الجيل الجديد ومواهبه، وتمكّنه من إيصال رؤيته وفكرته رغم الإنتاج الضعيف، وهذا دليل على اصرارنا كلبنانيين على عدم الإستسلام والإنهيار بسبب الوضع المزري الذي نعيشه. لمست إقبالا كبيراً على المسارح الصغيرة مثل "مونو" و"دوار الشمس" و"المدينة"، في ظلّ غياب واضح للمسارح الغنائية والترفيهية والتجارية. إن من يقدّم مسرحاً حالياً، يعمل إنطلاقاً من شغفه وليس من منطلق تجاري مادي.



أي مستقبل تتوّقعين للإنتاج المحلي، السينمائي والدرامي والمسرحي، في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي نعيشها؟

رغم كل الظروف التي مررنا بها، كالإقفال العام بسبب "كورونا" والأوضاع الإقتصادية السيئة، بقيت إرادة المنتجين قوية للإستمرار، ولا يزال الممثلون يعملون في المسرح بهدف صموده وبقائه كفشّة خلق. إضافة إلى استمرار الإنتاجات التلفزيونية والسينمائية. لذلك أوجّه تحية إلى شركات الإنتاج التي قررت الإستمرار رغم الأزمات.

ليس خافياً على أحد، ضرورة بحث الممثل في لبنان عن مهنة ثابتة لأن التمثيل لا يؤمن الإستقلالية والأمان. برأيي ستسقط الأقنعة في الفنّ كما سقطت في السياسة، وستزيد حاجة الناس إلى الممثلين الحقيقيين، فيما يتراجع الممثلون الذين لا يطوّرون أنفسهم خصوصاً أن مواقع التواصل الاجتماعي قاسية وهي لهم في المرصاد. لذا أنا متفائلة بتطوّر الدراما وانتهاء الأزمة، إنما أتمنى أن تُقدَّم أعمال تليق بالمشاهد رغم كل الظروف لأنه لا يجوز الإسترخاص بالفنّ، ولأن الجمهور سيكون أمام نمط جديد من الخيارات.

MISS 3