بشارة شربل

وامصرفاه!

24 شباط 2023

02 : 00

لنفترض أنني مواطن يريد خمسة آلاف دولار ليفتتح "سناك فلافل"، فهل يقرضني إياها البنك؟ ولنفترض انني تخرجت من الجامعة بعدما دفع أهلي جنى عمرهم لتعليمي وصرت مؤهلاً مع رفاق لي مميزين لتأسيس شركة، فهل نستطيع أن نطلب سلفة من المصرف؟ أو هل يستطيع مصنع يعيل مئات العائلات أن يستنجد بمصرفه ليبقى واقفاً على رجليه؟

سقطت وظيفتان أساسيتان للمصرف وهما الإقراض والتسليف بعدما انهارت الثقة ولم يعد مكاناً آمناً للتوفير وصار المرء يسارع لسحب أي مبلغ "فريش" تلقاه إحساناً أو لقاء عمل ما.

فإذا أضفنا المشكلة الأساس المتمثلة بامتناع المصارف عن رد الودائع صغرت أم كبرت، جاز سؤال ما جدوى بقاء هذه المصارف؟ وبماذا تفيدني أنا المواطن العادي اذا كنت عاجزاً عن دفع فاتورة عبرها حتى ولو لم أكن مودعاً منهوباً؟

فلنبادر الى القول أن لا مؤامرة على المصارف ولا يجوز لإعلامها تصويرها وكأنها الضحية، فيما هي فعلياً شريك كامل المواصفات في المنظومة التي دمرت الدولة ومؤسساتها وأطاحت بمدخرات الناس. أما الدفاع الأعمى عن قطاع لم يبق منه إلا الحطام والثروات المهربة فلا يصب إلا في مصلحة "اقتصاد الكاش" و"القرض الحسن" الذي يتوسع ضارباً بقانون "النقد والتسليف" عرض الحائط.

لنوضح مرة واحدة ولكل المرات. لا اقتصاد بلا مصارف. هي ضرورة وليست ترفاً. غير أن شرط وجودها كما سائر المؤسسات الخاصة والعامة التزام القانون والخضوع للمحاسبة وممارسة سلوك أخلاقي تفرضه طبيعة المهنة والقيام بالدور المنوط بها، لا أن تتحول جزءاً من جهاز السلطة وخادماً لحكام فاسدين أو ميليشيات متنفّذة وشارياً للضمائر.

لنعد الى الأساس. وبما أن كثيرين يقتنعون بسذاجة أن هناك "خطة لتدمير القطاع" ويقولون مستسلمين: نعرف انهم مرتكبون لكن أموال المودعين ستتبخر ولن نستفيد من سجن أي مصرفي. نقول بسذاجة تبسيطية لكن بدقة: فلنعتبر المصرف دكان حيّ أو قرية. فماذا يفعل إذا خسر؟ إما يضخ من مدخراته وممن يستطيع مساعدته لتنشيط الدكان ومعاودة خدمة الزبائن، أو يقفلها بعد ان يسدد للمورِّدين وعلى الدنيا السلام.

واقع الأمر أن السلطة السياسية بالتحالف مع رياض سلامة والمصارف قامت بعكس ما تفرضه تجارب الدول التي تعرضت لتعثر أو أفلست بنوكها. فبدل أن تفرض كابيتال كونترول بعد أيام وتعيد هيكلة المصارف بعد أشهر قليلة، وتقر حزمة اصلاحات بلا ألاعيب واحتيالات وتنجز التفاوض مع صندوق النقد للبدء بضخ الأموال وفتح الباب للاستثمارات، لا تزال تراوغ بالتكافل والتضامن. وبدل إعادة الرسملة تستمتع المصارف بتذويب الودائع وهي عملياً أذابت أكثر من 30 ملياراً منها والحبل على الجرار، وتتنفّع من الرسوم العشوائية وبدعة "صيرفة"، وتمارس نفوذها على أزلامها في السلطة لتحميل الدولة عبْء أكثرية الدين وفرض خطة تعافٍ تبيع أصول الدولة لمصلحة المافيات.

نريد المصارف والاقتصاد الحر. لكننا لن نقول أبداً عفا الله عمَّن سرق. مبدأ المحاسبة لن يسقط حتى ولو شرشحته غادة عون ودمَّره ميقاتي بتدخّله المخزي في القضاء. فالمدخل الى الإصلاح هو التمسك بالقانون ورفض القفز عليه بحجة ان المنظومة قوية ومتشعبة في القضاء والأمن والحكومة ومجلس النواب. الودائع المنهوبة كالدماء المهدورة لن تستريح إلا بالقصاص.


MISS 3