رفيق خوري

أزمة الرئاسة فرعية داخل أم الأزمات

25 شباط 2023

02 : 00

اللعبة مستمرة، ولو صارت المؤسسات مشلولة بالكامل. تتغير الأسماء، والسلطة ثابتة في التوجه. تقود السياسة الى إنهيار لبنان، وأصحابها باقون، ولو انتقل بعضهم من المناصب الى القصور الموروثة أو الجديدة. فما تراها أكثرية اللبنانيين سياسات مالية وإقتصادية وإجتماعية خاطئة وظالمة وينتقدها عدد من الخبراء ويدافع عنها خبراء السلطان هي سياسات خاطئة وظالمة بالقصد، لا بالغباء ولا بالغلط. وهي مصممة لخدمة طبقة من أمراء الطوائف والأثرياء والنافذين الذين تمثلهم السلطة. فلا شيء اسمه سلطة نزيهة ومحايدة فوق الطبقات والطوائف والفوارق الإجتماعية.

حتى عندما يصل الى السلطة رجال لديهم هموم الأكثرية الشعبية ولهم إهتمامات إصلاحية، فإن المنظومة المتسلطة تتولى تطويعهم، ويصح فيهم قول مارشال شولمان: «يؤتى بالرجال الجيدين لصنع سياسات سيئة». وكل الدعوات في الداخل والخارج الى تغيير التركيبة السياسية الحاكمة والمتحكمة إصطدمت بكون التغيير مهمة مستحيلة. لماذا؟ لأن لبنان بنظامه الطائفي ليس بلد ثورات بل بلد تقاتل بالأصالة وبالنيابة. ولأن التركيبة السياسية لن تغير نفسها ولا تريد أن تتغير.

وهذه هي المشكلة الأساس التي قادت ولا تزال الى «أم الأزمات»: لا فقط الإمتناع عن بناء مشروع الدولة بل أيضاً منع أي طموح أو تحرك لبناء مشروع الدولة. فالدولة القوية العادلة، دولة الحق والقانون، هي حكم بالإعدام على مصالح التركيبة السياسية التي تخدمها هذه السلطة. وهي دولة المحاسبة، بحيث لا يستطيع المسؤولون عن تفجير مرفأ بيروت الهرب من دفع الثمن، ولا يمكنهم أن يعطلوا المحقق العدلي ويطلبوا «محاكمته». ولا تستطيع المافيا السياسية والمالية والميليشيوية الحاكمة والمتحكمة السطو على المال العام والمال الخاص عبر ودائع الناس في المصارف، ثم ترسل المسروق الى الخارج، وتبقى في المناصب وعينها على الذهب وما بقي في بيوت اللبنانيين. ومن الصعب في دولة حقيقية الإصرار على سياسات مالية وإقتصادية وضريبية لخدمة الأثرياء وزيادة ثرواتهم وإفقار الطبقة الوسطى وزيادة الطبقة الفقيرة فقراً.

وليس الشغور الرئاسي والخلاف على ملء الشغور والحرص على المجيء بمن هو موثوق فيه للحفاظ على مصالح المافيا سوى أزمة فرعية ضمن «أم الأزمات». فلا رئيس، ولو كان هدية من السماء، يمكنه بناء مشروع الدولة وحده ما دامت التركيبة السياسية تقبض على لبنان رهينة لمصالحها الصغيرة الداخلية ومصالح بعضها الكبيرة التي تتجاوز لبنان. ولا مبرر لخيبة الأمل من الإجتماع الخماسي في باريس لأنه لم يفرض حلاً ورئيساً، ما دام أمراء الطوائف لا يبادرون الى عقد إجتماع سداسي لبناني يفتح الطريق المغلق بقوة السلاح الى قصر بعبدا.

كان جاك بيرك يقول عن الرئيس فرنسوا ميتران إنه «لم يكن مصمماً لحل المشاكل بل إما لإنكار وجودها وإما للقول إنه ليس لها حلول». أليس هذا ما يعانيه اللبنانيون مع المافيا؟


MISS 3