أخطر تهديد غير متوقع في خطة ترامب للسلام في الشرق الاوسط

10 : 31

تعرضت خطة إدارة ترامب لإرساء السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين لانتقادات واسعة بعد أسبوعين فقط على الإعلان عنها، نظراً إلى انحيازها الواضح لطرفٍ واحد وتلميحها السياسي باحتمال تجاهل أكثر المخاطر إلحاحاً، علماً أن هذا التهديد لا يتعلق بالفلسطينيين بل بالأردن. في إسرائيل، اعتُبرت هذه الخطة، أو "الرؤية" كما تسميها الوثيقة التي كشف عنها البيت الأبيض، ضمانة أميركية تسمح للحكومة الإسرائيلية بضمّ الضفة الغربية إليها. هذه الخطوة قد تسرّع نشوء أزمة في المملكة الهاشمية برئاسة الملك عبدالله الثاني، علماً أن استقرار بلده يُعتبر أساسياً بالنسبة إلى أمن إسرائيل وأمن حلفاء الأميركيين في المنطقة، لا سيما في خضم الجهود الرامية إلى كبح القوى الإيرانية في سوريا والعراق والخليج.


في الاسابيع الماضية التقى رئيس الحكومة الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت بالزعيم الفلسطيني محمود عباس في نيويورك، حيث شدد المسؤولان على ضرورة إقامة مفاوضات متبادلة لأن هذا الشكل من التفاوض ما كان لينتج هذه الخطة أصلاً. أراد الرجلان عقد مؤتمر صحافي مشترك لتذكير الناس بما أوشكا على تحقيقه في العام 2008 وإطلاق مسار للمضي قدماً. لكن تترافق الخطة الأخيرة مع مخاطر جانبية محتملة. أضاف أولمرت قبل اللقاء المشترك أن "ضم الأراضي بشكلٍ أحادي الجانب يجازف بإطلاق رد فعل أردني غير ودّي، حتى أنه قد يضعف العلاقات بين البلدين".

بالنسبة إلى الأردن تحديداً، يتعلق أكثر جزء استفزازي في الخطة بطريقة توزيع الأراضي. تنص الخطة على منح المستوطنين الذين يحظون بحماية الجنود الإسرائيليين حوالى 30% من الضفة الغربية، وهي الأرض المحيطة بالمدن الفلسطينية، فضلاً عن النصف الغربي من غور الأردن الذي تمرّ فيه الحدود بين الأردن والضفة الغربية (ستبدو خريطة الدولة الفلسطينية المستقبلية أشبه بالأرخبيل). وفق بعض التقارير، تفرض هذه الخطة أيضاً تجميداً لبناء المستوطنات، لكنها معلومة خاطئة، فهي تذكر بكل بساطة أن الإسرائيليين لن يبنوا المستوطنات في المناطق التي "لم تحددها هذه الرؤية كجزءٍ من دولة إسرائيل". اعتبر رئيس الحكومة الإسرائيلي هذا الجزء بمثابة ضوء أخضر لضم غور الأردن ومناطق أخرى من المستوطنات اليهودية فوراً بموافقة الولايات المتحدة. لكن غيّر جاريد كوشنر، مصمّم تلك الخطة، ذلك الضوء إلى لون "أصفر" وامض، فقال: "نأمل في أن ينتظروا إلى ما بعد الانتخابات". وكتب ديفيد فريدمان، السفير الأميركي في إسرائيل، تغريدة مفادها أن ضم الأراضي يجب أن ينتظر "عملية رسم الخرائط من جانب لجنة إسرائيلية أميركية مشتركة". لكن يضغط نتنياهو بقوة لتطبيق القانون الإسرائيلي فوراً في جزء من الأراضي على الأقل، ويحاول شركاؤه في حكومة الائتلاف الضغط عليه أيضاً. أعلن رئيس مجلس المستوطنات يوسي داغان: "حتى الأصدقاء الأعزاء (أي الأميركيين) يجب أن يعرفوا قدرهم أحياناً".

لا يملك نتنياهو سبباً استراتيجياً منطقياً لضم المزيد من الأراضي، بل إن مبرره سياسي محض. لقد اتُّهِم رسمياً بالفساد في المحكمة يوم الإعلان عن الخطة، واتّهمه خصومه بمحاولة الحفاظ على دعم أغلبية الناخبين المتشددين، خلال الانتخابات المقبلة في 2 آذار، عن طريق انقلاب دبلوماسي جديد بموافقة ترامب. قبل الانتخابات في شهر نيسان الماضي، وقّع ترامب على إعلان يهدف بكل وضوح إلى دعم نتنياهو، فاعترف بسيادة إسرائيل في هضاب الجولان. يكشف استطلاع جديد، كما كان متوقعاً، أن ثلثَي الإسرائيليين يؤيدون خطة ترامب ككل. وحتى خصم نتنياهو الأساسي، بيني غانتز، حاول تبرير ضم غور الأردن بأسلوب مُلطّف واعتبر هذه الخطوة ضرورية، لكنه دعا أيضاً إلى تطبيقها "بالتعاون مع المجتمع الدولي". في المقابل، اعتبر رئيس المجلس الإقليمي لغور الأردن، ديفيد الحياني، هذا الموقف "إعلاناً فارغ المضمون".

غانتز هو رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلي السابق، وقد اعتبر غور الأردن "جدار الحماية الشرقي لإسرائيل" الذي لا يشكك به أي إسرائيلي. تدّعي الخطة أيضاً أن ضم الأراضي يعطي إسرائيل عمقاً استراتيجياً (أو مساحة لامتصاص الاعتداءات المفاجئة) في حال نجحت القوى الموالية لإيران في العراق وسوريا بالاقتراب من مراكزها الشعبية. لكن يتراجع هذا الاحتمال بفضل الأردن المستقر لأنه يبقي القوى الموالية لإيــران خارج أراضيها. سيؤدي ضم الأراضي بأي شكل من الأشكال إلى إضعاف استقرار الأردن. يظن جلعاد شير، رئيس الموظفين ومنسّق السياسة لرئيس الحكومة الإسرائيلي السابق إيهود باراك، أن ضم الأراضي قد يستفز الملك عبدالله أو يعرّض معاهدة السلام للخطر أو يضعفها لأقصى حد.

لا تقتصر مشاكل الملك عبدالله على محنة الشعب الفلسطيني المضطرب، بل إن اقتصاد بلده يواجه المشاكل أيضاً: يعمل 40% من الأردنيين تقريباً لصالح الحكومة أو في قطاع التعليم، وتقتصر نسبة العمّال في قطاع التصنيع على 10%، ويقلّ متوسط الدخل السنوي عن 5 آلاف دولار. في السنوات الأخيرة، تباطأ النمو واقتصر على أقل من 3%، مقابل تضخم أعباء الديون الحكومية. وفي العام 2016، فرض الملك عبدالله تدابير تقشف. لكن بسبب القطاع العام المتضخم الذي يهدف جزئياً إلى إعالة القبائل البدوية الموالية له، يرتفع احتمال أن يختلس المسؤولون أموال الدولة. في السنتَين الأخيرتَين، اندلعت تظاهرات واسعة ضد الفساد، فاضطر الملك لاستبدال رئيس الحكومة. وفي الربيع الماضي، حصلت اعتصامات بالقرب من القصر الملكي للاحتجاج على تدابير التقشف والمطالبة بفرص عمل وبالإصلاح السياسي. حتى أن البعض ذهب إلى حد المطالبة بحصر صلاحيات الملك.




ركّزت التظاهرات أحياناً على العلاقات الاقتصادية بين الأردن وإسرائيل تحديداً. منذ العام 2013، يتفاوض البلدان حول تقاسم المياه المُحَلاة من ميناء البحر الأحمر في العقبة وضخ المياه المالحة من البحر الأحمر إلى البحر الميت. كاد ذلك المشروع ينهار في صيف العام 2017، حين أطلق ضابط أمن إسرائيلي النار على نجار أردني شاب طعنه بمفك براغ، في مبنى ملحق بالسفارة الإسرائيلية في عمان يستعمله الديبلوماسيون الإسرائيليون كمقر إقامة لهم. قتل ذلك الضابط الإسرائيلي عن طريق الخطأ مالك المبنى وطبيباً تواجد في المكان أيضاً. كان التوتر شديداً أصلاً بسبب قرار إسرائيلي بوضع أجهزة للكشف عن المعادن على مداخل الحرم الشريف. اندلعت الاحتجاجات في عمان، ما دفع طاقم السفارة الإسرائيلية إلى المغادرة، وأصر الملك عبدالله على أن تستبدل إسرائيل سفيرها. نُزِعت أجهزة الكشف عن المعادن وعُيّن سفير جديد أخيراً في أواخر العام 2018، حين دفعت إسرائيل 5 ملايين دولار كتعويض لعائلات الأردنيين الذين تعرضوا للقتل. لكن لم يحصل أي تقدم في مشروع المياه. في الفترة اللاحقة، اندلعت احتجاجات ضد موافقة الملك على شراء الغاز الطبيعي من حقول البحر المتوسط الجديدة التابعة لإسرائيل، بمعدل 45 مليار متر مكعب على مر 15 سنة.

تشدد خطة ترامب على ضرورة الاستثمار في الاقتصاد الفلسطيني، لكن يبقى استقرار الأردن عاملاً محورياً لتحسين الوضع الاقتصادي في أي دولة فلسطينية مستقبلية. لا يعيش جميع الفلسطينيين في الأردن في حالة فقر. يقول سام بحور، مستشار متخصص بتطوير قطاع الأعمال في رام الله، إن الفلسطينيين الذين يحملون جنسية أردنية يشكلون أغلبية واسعة من أصحاب الشركات والمهندسين والاحترافيين والأكاديميين في البلاد. بحلول العام 2014، سيطرت البنوك الأردنية على نصف حصة السوق في الضفة الغربية. وفي العام 2019، اقتربت الودائع الأردنية المحلية من 50 مليار دولار، ويمكن استعمال جزء منها للاستثمار في الضفة الغربية.

يضيف عمار العكر، المدير التنفيذي لشركة الاتصالات العملاقة "بالتيل"، مقرها رام الله: "أحياناً، يستخف الأميركيون بأهمية نشوء دولة فلسطينية مستدامة للحفاظ على استقرار الشرق الأوسط وبأهمية استقرار الأردن بالنسبة إلى أي دولة فلسطينية مستقبلية. سيؤدي أي قرار بضم غور الأردن إلى اضطرابات كبرى وغير متوقعة". من اللافت أن يطمس تركيز خطة ترامب على عمليات ضم الأراضي الابتكار المبدئي الوحيد فيها، وهو الاعتراف بأن "السيادة مفهوم غير منظّم وقيد التطوير". لن تتمكن إسرائيل والأردن ودولة فلسطين النظرية يوماً من المضي قدماً في المستقبل من دون تعميق روابطها التكنولوجية والتجارية والاستراتيجية وبناها التحتية، وذلك من خلال تحديد نقاط مشتركة على مستوى التدابير الأمنية، والمياه، وعرض النطاق، والأماكن المقدسة، والسياح، ووسائل السيطرة على الأوبئة.

تذكر الوثيقة ما يلي: "مع تنامي الترابط بين مختلف الأطراف المعنية، يختار كل بلد أن يتفاعل مع البلدَين الآخرين عبر عقد اتفاقيات لتحديد المعايير بوضوح". أضاف مُعِدّو الوثيقة هذا المقطع لتقليص هامش السيادة المعطاة للدولة الفلسطينية. لكن أدرك أولمرت وعباس هذه المناورات (أي فرض سيطرة متعددة الجوانب على القدس القديمة وتقديم ضمانات أمنية متعددة الجوانب على الحدود الأردنية) في العام 2008، خلال المفاوضات العقيمة بينهما. يبدو أن تلك الرؤية المبنية على الترابط ستنتظر خطة جديدة ومجموعة مختلفة من المهندسين: رئيس أميركي جديد ورئيس حكومة إسرائيلي جديد!


MISS 3